الحديث و الدعاء و الحكمة

أذكار الصباح والمساء:



فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :

عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ " ، قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي _ دعائي _ فَقَالَ : " مَا شِئْتَ " ، قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟ قَالَ : " مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " ، قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ : " مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : " مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا ، قَالَ : " إِذاً تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] .

قال ابن القيم رحمه الله : " وسئل شيخنا أبو العباس _ ابن تيمية _ عن تفسير هذا الحديث فقال : كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه ، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه ، فقال إن زدت فهو خير لك ، فقال له النصف ، فقال إن زدت فهو خير لك ، إلى أن قال أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل دعائي كله صلاة عليك ، قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك ، لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه هذا معنى كلامه رضي الله عنه " [ جلاء الأفهام ] .


قال الشوكاني رحمه الله : " في هاتين الخصلتين جماع خيري الدنيا و الآخرة ، فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها ، لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة ، ومن غفر الله ذنبه سلم من محن الآخرة ، لأنه لا يُوبِقُ العبدَ فيها إلا ذنوبه " [ تحفة الذاكرين ] .   



صلاة الصبح في جماعة :

عن جندب بن عبد الله قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ، فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " [ رواه مسلم ] .

فالذي يصلي الفجر في جماعة فهو في حفظ الله ورعايته ، محفوف بالعناية الإلهية لا يقربه أحد ، ولا يحق لأحد أن يؤذيه أبداً .


ومعنى الحديث :

من صلَّى الصبح خالصة لله في وقتها مع الجماعة، فهو في أمان الله وعهده في الدنيا والآخرة ، ومعنى : لا يطلنكم الله في ذمته بشيء: النهي عما يوجب مطالبة الله وهو التعرض بـمكروه لمن صلى الصبح . ومعنى يدركه يعني : من يطلبه الله للمؤاخذة، لتفريطه في حقه وفي القيام بعهده يدركه الله، إذ لا يفوت منه هارب وهو له طالب ، وانظر لمن فاتته صلاة الفجر كيف يتكدر يومه ويصبح خبيث النفس كسلان ؟ بينما من صلى الفجر في جماعة تراه طيب النفس نشيطاً ، وهذا أمر مشاهد محسوس . 


الهم والحزن :

من أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج : الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً " ، قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : " بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا " [ رواه الإمام أحمد في المسند 1/391 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 198 ] .

هذا الحديث العظيم الذي يتضمن اعتراف العبد أنه مملوك لله وأنه لا غنى له عنه وليس له سيد سواه والتزام بعبوديته وإعلان الخضوع والامتثال لأمره ونهيه ، وأن الله يصرّفه ويتحكّم فيه كيف يشاء وإذعان لحكم الله ورضى بقضائه وتوسل إلى الله بجميع أسمائه قاطبة ثم سؤال المطلوب ، ونشدان المرغوب .

هذه الأذكار والأعمال مجربة ونافعة بإذن الله تعالى من كل ذي شر من الجن والإنس وجميع المخلوقات الضارة ، والأمراض المهلكة . 


الذكر ضرورة لابد منها :
لو أن أحداً عفي عن الذكر ، لكان زكريا عليه السلام أولى الناس بهذا ، حين اعتقل لسانه عن الكلام ، وحبس عن النطق ، وذلك أنه لما بُشِّر بالغلام طلب من اللّه تعالى علامة يعرف بها حبل امرأته ، حتى يتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر : { قَالَ آيَتُكَ أَلاَ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [ آل عمران 18] ، فكان يعجز عن تكليم الناس وليس به آفة تمنعه منه ، إنما هي آية من آيات اللّه الباهرات ، فكان كلامه وخطابه لقومه إشارة باليد أو إيماءة بالرأس أو كتابة على الأرض ، مع هذا قيل له : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً } ، ومن وراء ذلك حكمة بالغة ، وسرّ نفيس ، كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر ، حبس لسانه إلا عن الذكر ، حتى يخلص لشكر تلك النعمة الكبرى ، والمنة العظمى ، وهي رزقه الولد على وهنٍ منه ، وعقم من زوجه ، وكِبرَ سِنٍّ منهما معاً ، فقد ناهزا المائة عام ، وهكذا جاء الجواب مشتقاً من السؤال ومنتزعاً منه ، وهو أوقع في النفس وأدخل في باب الحسن [ ذكره الزمخشري في كشافه ] .

ولو أن جماعة أعفيت عن الذكر ، لكان أولى الناس بهذا المقاتلون في سبيل الله تعالى ، حين تقوم الحرب بينهم وبين عدوهم على قدم وساق ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فرغم انشغالهم بمجالدة العدو ، أمروا بالذكر ، لأن به اطمئنان القلوب ، وتثبيت الأقدام ، واستدفاع كيد العدو ، واستجلاب نصر اللّه .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة ، إلا جعل لها أجلاً معلوماً ، ثم عذر أهلها في حال العذر ، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه ، ولم يعْذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله ، فقال : اذكروا اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم ، وبالليل والنهار ، في البر والبحر ، في السفر والحضر ، في الغنى والفقر ، في الصحة والسقم ، في السر والعلانية ، في الحرب والسلم ، وعلى كل حال .

ملحوظة هامة :
هذه الأذكار ما هي إلا تحصين قبل وقوع البلاء ، وحصول الداء ، فإذا حافظ عليها المسلم حُفظ بإذن الله من كيد شياطين الإنس والجن .
أما الرقية بعد وقوع البلاء ، فهذا أمر آخر ، تجدونه في كتابي الآخر [ العلاج بالرقية ] ، وهو مفيد ونافع في بابه ، أسأل الله للجميع السلامة والأمن والأمان .

فائدة مهمة :
الغضب أو الانفعالات المبالغ فيها من حزن أو خوف أو ضحك أو بكاء ، أو الانكباب على الشهوات والغفلة ، من الأسباب المانعة من التحصين أو المفسدة له ، فإما أن يُنسيه الشيطان أثناء انفعاله وبخاصة الغضب، والغضب من الشيطان، وإما أن يضعف هذا التحصين بسبب ذلك الانفعال . 

ولا تعجب إذا أصيب إنسان قد أورد على نفسه الأذكار! لأنه أوجد ثُلمة في تحصينه فدخل عليه الشيطان منها .

والله تعالى أعلى وأعلم ، وأجل وأعظم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

0 التعليقات :

Copyright @ 2013 مؤسسة الاسلام .