الحديث و الدعاء و الحكمة

حصن المسلم.


  • ما تفرَّق على العبد من قلبه وإرادته، ويُفرِّق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم، والأحزان والحسرات، ويفرق أيضًا ما اجتمع عنده من جند الشيطان؛ فإن إبليس عليه اللعنة لا يزال يبعث له سرية بعد سرية، والذكر يُقرِّب الآخرة ويُعظِّمها في قلبه، ويُصَغِّر الدنيا في عينيه، ويُبعدها عن قلبه ولسانه.
  • الثامنة والثلاثون: أن الذِّكر يُنَبِّهُ القلب من نومه، ويوقظه من سِنته والقلب إذا كان نائمًا فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران.
  • التاسعة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف.
  • الأربعون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية الولاية والمحبة، والنصرة والتوفيق، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ([1])، {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمحْسِنِينَ}([2])،
  • { لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}([3]) وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر، كما في الحديث القدسي: ((أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه))([4]).
  • الحادية والأربعون: أن الذكر يعدل الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى بعد نفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله تعالى -.
  • الثانية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر؛ فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
  • الثالثة والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المؤمنين من لا يزال لسانه رطبًا من ذكره؛ فإنه أبقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، والتقوى أوجبت له دخول الجنة، والنجاة من النار.

  • الرابعة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذهبها إلا ذكر الله تعالى قال رجل للحسن البصري رحمه الله -: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي؟! قال: ((أذِبْهُ بالذكر)).
  • الخامسة والأربعون: أن الذكر شفاء للقلب ودواؤه، والغفلة مرضه، والقلوب مريضة، وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى -.
  • السادسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله U والغفلة أصل معاداته، وأن العبد لا يزال يذكر ربه حتى يحبه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه.
  • السابعة والأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمهُ بمثل ذكره، فالذكر جلاَّب للنعم، دفَّاع للنقم؛ قال بعض السلف: ((ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن بِرّك)).
  • الثامنة والأربعون: الذكر يوجب صلاة الله U وملائكته على الذاكر، ومن صلى عليه الله وملائكته فقد أفلح، وفاز كل الفوز؛ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}([1]).
  • التاسعة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة؛ فليستوطن مجالس الذكر؛ فإنها رياض الجنة.
  • الخمسون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس، إلا مجلس يذكر الله فيه، كما ورد في قوله : ((إن لله ملائكة يطوفون في الطُّرق، يلتمسون أهل الذكر)). الحديث([2]).
  • الحادية والخمسون: أن الله U يباهي ملائكته بالذاكرين؛
  • كما جاء عن أبي سعيد الخدري t قال: ((خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أمَا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، قال: وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله × أقل عنه حديثًا مني،
  • وإن رسول الله × خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ((ما أجلسكم ها هنا؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا بك، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: ((ألا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل u وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة))([1])؛ فهذه المباهاة من الرب I دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال.

  • الثانية والخمسون: أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله U فالمقصود بها تحصيل ذكر الله U قال الله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}([2])، وذُكر عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أنه سئل: أي العمل أفضل؟ قال: ((ذكر الله أكبر)).
  • الثالثة والخمسون: أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله تعالى فأفضل الصوم أكثرهم ذكرًا لله سبحانه في صومهم، وأفضل الحجاج أكثرهم ذكرًا لله، وأكثر المتصدقين أكثرهم ذكرًا لله U... وهكذا سائر الأعمال.
  • الرابعة والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية، أو مالية، أو بدنية ومالية كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة t : أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله × فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون؟! فقال: ((ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة...)) الحديث.

  • فجعل الذكر عوضًا عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد، وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر.

  • الخامسة والخمسون: أن ذكر الله تعالى من أكبر العون على طاعته؛ فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.

  • السادسة والخمسون: أن ذكر الله تعالى يُسَهِّل الصعب، ويُيسِّر العسير، ويخفف المشاق.

  • السابعة والخمسون: أن ذكر الله U يذهب عن القـــلب مـخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله تعالى -.

  • الثامنة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه؛ ألا ترى كيف علّم رسول الله × ابنته فاطمة وعليًا رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أن يسبحا كل ليلة، إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا أربعًا وثلاثين، لما سألته الخادمَ، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسقي والخدمة، وعلمها ذلك، وقال: ((إنه خير لكما من خادم))([1]).

  • فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم.

  • التاسعة والخمسون: أن أعمال الآخرة كلها في مضمار السباق، والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار.

  • الستون: كثرة ذكر الله U أمان من النفاق؛ فإن المنافق قليل الذكر لله U قال الله تعالى في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}([2]). وقال كعب: ((من أكثر ذكر الله برئ من النفاق))


0 التعليقات :

Copyright @ 2013 مؤسسة الاسلام .