الحديث و الدعاء و الحكمة

محاضرة اسلامية...


والمجلدات التالية الثلاثة تبحث في العبادات والأخلاق والمعاملات. وكل واحد منها معلمة في موضوعه, يضيق بنا نطاق المقام عن سرد تفاصيل مواضيعها مما يشهد بذلك المحققون المطلعون على أجزاء السيرة النبوية الأولى والتالية, فهناك يتبين الفرق بين الأستاذ وتلميذه, ولا غرو , فكم ترك المتقدم للمتأخر.

وله مصنفات علمية نافعة غير هذا الكتاب الضخم, سارت سير الشمس كمحاضراته في السيرة النبوية المعروفة بـ خطبات مدارس, وسيرة عائشة, وأرض القرآن, والعرب والهند, وخيّام, وغيرها من آثار قلمه التي تفاخرُ بها اللغة الأردية.
وقد بلغ في المواضيع المختلف من التحقيق والإجادة ما لم يبلغه أحد من معاصريه في هذه البلاد, وأضربُ لك مثلاً بمصنفه الشهير في جغرافية القرآن التاريخية المسمى (أرض القرآن) ؛ فقد تناول فيه بالبحث والتحقيق جميع البلاد والأمم المذكورة في الكتاب العزيز, وأحاط بتاريخهم وجغرافية أماكنهم التي كانوا يقطنوها. صنفه منذ أربعين سنة, والموضوع بكرٌ لم تطمثه أقلام الباحثين, وقد نُقل هذا الكتاب النافع مثل بعض مؤلفاته الأخرى إلى اللغة الإنكليزية وكذلك كتابه عن الشاعر الشهير (الخيام) يعد من أحسن ما ألف في هذا الباب على كثرة ما ألف في الموضوع ببلاد الغرب, وقد شهد بذلك بعض كبار رجال الهند المطلعين على مصنفات الغرب في هذا الموضوع.
قلتُ : إن (سليمان الندوي) لا تنحصر عظمته في ناحية دون ناحية, فإنه كان أدبياً من الأدباء, وسياسياً بين السياسيين, وعالماً بين العلماء, وقانونياً أي: عالماً بالقانون والدستور – بين علماء القانون والتشريع. وناهيك بمكانته في الأوساط السياسية الإسلامية العالمية.
إنه الرجل الخبير الذي انتدبته الهند الإسلامية بين آونة وأخرى لمخاطبة العالم الإسلامي, وبعثته على رأس وفود مؤلفة من خيرة رجال البلاد إلى الحجاز, فهو الذي رأس وفد الخلافة في المؤتمر الإسلامي العام المنعقد بمكة المكرمة سنة 1346هـ-1926م, وكذلك كان أحد أعضاء الوفد الإسلامي الذي سافر إلى لندن وأوروبة ليبلغهم كلمة الهند الإسلامية في مسألة الخلافة, وذلك سنة 1920م.
أما أعماله وخدماته في المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة فذلك يفوق الوصف والبيان. فقد كان السيد همزة الوصل بين وفود الهنل ووفود البلدان الإسلامية الأخرى. واختير لنيابة رئاسة المؤتمر من بين رجالات العالم الإسلامي وعيون ساستها, ولما أراد ملك الأفغان نادرخان المعروف بنزعته الدينية السديدة منذ عشرين سنة أن يؤسس جامعة علمية في عاصمة بلاده, فانتدب ثلاثة من كبار رجال التعليم في الهند الإسلامية ليستشيرهم في الأمر, وقع اختياره وهو من أبصر الناس بالرجال كما شهد بذلك الدكتور محمد إقبال على الأستاذ سليمان والدكتور محمد إقبال والسيد مسعود حفيد سيد أحمد خان الرئيس الأعلى لجامعة علي كراه وقتئذ.
وثم شيء أذكره وفاءً بالموضوع وأداءً لأمانة الترجمة:
وذلك أن أستاذنا كان من أول عهده بالبحث والتحقيق محققاً في الفقه لا يتقيد بمذهب كما صرح بذلك في مقدمته لكتاب تراجم علمائي حديث هند – سلفي النزعة في العقائد , يؤمن كما آمن السلف الصالح من غير تكييف ولا تعطيل, وما زال يكتب ويحاضر متشبعاً بهذا المنهاج الفكري إلى أن أربى على الخمسين من عمره, ثم جعل يميل شيئاً فشيئاً إلى التنسك والتصوف, إلى أن انخرط في سلك إحدى الطرق الصوفية, وبايع بالطريقة قبل ثلاثة عشر عاماً, فمن ذلك اليوم بدأت تظهر آثار التدرج نحو الحنفية والمتصوفة في كثير من المسائل.
وكذلك تغيرت وجهة نظره في كثير من المسائل المستحدثة والمشكلات الجديدة المتنوعة – فمن تلاميذه من لا يزال على طريقته الأولى, طريقة السلف الصالح التي لا تشوبها كُدرةٌ ولا غبار, ومنهم من استأنس بسلوكه الجديد ومنهاجه الأخير, ولم ير بذلك بأساً, بل منهم من ازداد ميلاً إليه, وحباً له بعد انخراطه في سلك الطريقة الصوفية. وللناس فيما يعشقون مذاهب.
وبعدُ: فقد كان السيد سليمان عملاً دائباً, وجهداً متواصلاً وسعياً متتابعاً طوال الخمسين سنة الماضية لم يعرف فيها الراحة أو الكسل ولم يذق حلاوة الانزواء أو مرارته وإنما كان حركة دائمة مستمرة طول حياته فتراه مشتغلاً ببحث أو تحقيق دائماً لا يفتر عنه طرفة عين. رأيته كذلك قبل سبع وعشرين سنة, وهو يتمتع بصحة جيدة, ووجدته كذلك قبل سنة, وهو شيخٌ بلغ السبعين, أنهك المرض قواه الجسدية, وجعلته قلة النوم والانقطاع إلى العبادة في الليالي في غاية من الضعف. فكأن البحث العلمي والتحقيق والتأمل الدقيق قد أصبح له سجية, وعلاوة على كل ذلك فقد كان رجلاً ذا مروءة غريبة, كريماً يجري الكرم في دمه, لا يغضب ولا يسخط, يصفح عن عدوه, ويدعو لمن يتناوله بالسوء.
أما التلاميذ والمخلصون , فيشمهلم بعطفه الأبوي ويبسط على كل فرد منهم ظلال شفقته وحنانه, كأنه قد منح في هذا الشأن لمحة من سيرة جده الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول ذلك عن تجربة شخصية ومعرفة ذاتية. وأكتب هذه الكلمات والعين ملؤها الدموع أسفاً وحسرة.
فوداعاً أيها الأستاذ الراحل ! نم في جوار الله وكنفه, نضَّرَ الله وجهك يوم القيامة, وأعلى مقامك بين الأبرار الصالحين([1]).

هذا الكتاب
مما لا شك فيه أن هذا الكتاب قد عالج عدداً من القضايا والمواقف التي قلما يتطرق إليها الكتاب والمؤلفون في كتاباتهم؛ وخاصة في مجال حض المزاعم الباطلة, وكشف الستار عن واقع الدعاوى التي لا تستند إلى الحقيقة في شيء. واستعرض كل ما نشرته أقلام الغرب من السموم لتوجيه الطعن ضد الإسلام, والنيل من نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, فجاءت هذه المحاضرات لتكون ضربة قاصمة لكل هؤلاء وأولئك, الذين يتكلمون تبعاً لهواهم, ويتيهون في متاهات الغواية والضلال, ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً, وتبين الأمر كالشمس في رابعة النهار أن سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هي الوحيدة التي ينبغي أن يتخذ منها الناس أسوة حسنة مباركة, وهي التي تضمن لهم الفوز في الدنيا والآخرة, وأنها لا تقتصر على الكلام وإنما تنبني دعائمها على العمل والتطبيق والتنفيذ, ولا توجد هناك أي مقارنة بين سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير زعماء العالم ومؤسسي الديانات والمذاهب الأخرى.
وفيما يأتي نذكر ما اقاله بعض العلماء حول هذا الكتاب:
يقول الأستاذ معين الدين أحمد الندوي: "هذا الكتاب يشتمل على مئة وخمسين صفحة, ولكنه يفوق المؤلفات الضخمة حول السيرة في وفرة المعلومات وندرة البحوث وشمول النفع وكفاءة مفخرة للمؤلف.([2])
ويقول العلامة السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله: "هو من أقوى الكتب في السيرة وأروعها في جمال التعبير, وبث حلاوة الإيمان وتوثيق الصلة بذات النبي صلى الله عليه وسلم والكتاب عُصارة لمكتبة كاملة في السيرة النبوية, وهو هدية ثمينة لغير المسلمين والمثقفين المسلمين, والباحثين عن الحق, للتعريف بالإسلام ولعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأسلوب مقنع مؤثر"([3]).
ويقول الأستاذ صباح الدين عبد الرحمن: "هذه المحاضرات معلمة أدبية في اللغة الأردية, في محتوياتها وبحوثها , وقوة الخطابة والأدب والإنشاء"([4]).
ويقول الأستاذ رشيد أحمد الصديقي: "إن أول مؤلفاته تأثيراً في نفسي وقعاً في قلبي كتابه (محاضرات مدراس), وأراني أول من سألتُ السيد الندوي أن يترجم إلى اللغة الإنكليزية.

0 التعليقات :

Copyright @ 2013 مؤسسة الاسلام .