دائمًا ما يبدأ القارئ المسلم تلاوة القرآن بالاستعاذة،
وذلك عبر قوله "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وقال العلماء أن ذلك
يُستحب أن يكون جهرًا عندما يكون القارئ يقرأ جهرًا ويكون هناك من يستمع
إليه، وعندما يُعلّم الآخرين التلاوة ويكون هو المبتدئ بالقراءة، وإنه
يُستحب أن يستعيذ بالله إسرارًا عندما يُصلي جهرًا أو إسرارًا، وإذا كان
يقرأ سرًا، وإذا كان يقرأ في جماعة وليس هو المبتدئ، وإذا كان القارئ
خاليًا. بعد الاستعاذة ينطق القارئ بالبسملة:
، التي تُعتبر واجبة عند ابتداء أول كل سورة ما عدا أول سورة التوبة، وتجوز البسملة أثناء السور وأثناء السورة سالفة الذكر.
تُقسم قراءة القرآن إلى أربعة مراتب وقيل خمس هي: "مرتبة التحقيق" وهي
القراءة بتؤدة وطمأنينة بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام، و"مرتبة الترتيل"
وهي القراءة بتؤدة وطمأنينة لا بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة
الأحكام، و"مرتبة الحدر" وهي القراءة بسرعة مع مراعاة الأحكام، و"مرتبة
التدوير" وهي القراءة بحالة متوسطة بين التؤدة والإسراع مع مراعاة الأحكام،
أما المرتبة الخامسة التي قال بها البعض فهي "الزمزمة"، ويُقصد بها خاصةً
"القراءة في النفس".

ويقول
العلماء باتباع قواعد معينة مُستحبة قبل الشروع في التلاوة، ومنها التوضؤ
كي يمس الإنسان القرآن وهو على طهارة، هذا وقد ورد أن النبي محمد كان يتلو
القرآن على كل حال إلا أن يكون محدثًا وذلك دليل على جواز التلاوة على غير
وضوء، ولكن التلاوة مع الوضوء تبقى أفضل. كما أن تطهير الفم بالسواك
مستحب، وترك تناول ما يعطي رائحة خبيثة للفم أمر مستحب أيضًا، ويُستحب
استقبال القبلة وإطراق الرأس وعدم التربع أو الاتكاء أو الجلوس على هيئة من
هيئات التكبر.
مدارس التلاوة
يُقرآ
القرآن بعدّة أساليب وطرق تختلف في نُطق النص باختلاف خط المصحف ورسمه.
ويستدل المسلمون على جواز التلاوة بأساليب مختلفة مما ورد في الأحاديث
النبوية ومنها: «إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شافٍٍ كافٍ»، و«أُنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر».وقد
قال العلماء في معنى هذا الحديث، أن القرآن نزل على سبع لغات من لغات
العرب، وذلك توسيعًا عليهم، ورحمة بهم، فكانوا يقرؤون مما تعلموا، دون أن
يُنكر أحد على أحد؛ بل عندما حدث إنكار لهذا، كما كان من أمر عمر بن الخطاب
مع هشام بن حكيم، بيَّن له النبي محمد أن ليس في ذلك ما يُستنكر، وأقر كل
واحدٍ منهما على قراءته. وكان لهذا الإقرار بصحة اختلاف التلاوة الأثر
الأكبر في اختلاف التلاوات حاليًا، فخلال العهد النبوي وعهد الخلفاء
الراشدين،
أرسل محمدًا والخلفاء الأربعة من بعده، أرسلوا الصحابة إلى البلدان
ليعلِّموا الناس القرآن وأحكام دينهم، فعلَّم كل واحدٍ منهم أهل البلاد
التي أُرسل إليها ما كان يقرأ به على عهد النبي محمد، فاختلفت قراءة أهل
تلك البلاد باختلاف قراءات الصحابة. ويذكر المؤرخون والعلماء المسلمون، أنه
على الرغم من أن عثمان بن عفان جمع القرآن على حرف واحد، هو حرف قريش أي
لغتها،
وهو حرف من الأحرف السبعة التي نص عليها الحديث، فإن هذا النسخ العثماني
للقرآن لم يكن منقوطًا بالنقاط، ولا مضبوطًا بالشكل، فاحتمل الأمر قراءة
ذلك الحرف على أكثر من وجه، وفق ما يحتمله اللفظ، كقراءة "فتبينوا"
و"فتثبتوا" ونحو ذلك، ثم جاء القرّاء بعد، وكانوا قد تلقوا القرآن ممن
سبقهم - فقرؤوا ما يحتمله اللفظ من قراءات، واختار كل واحد منهم قراءة حسب
ما تلقاه ووصل إليه.
قسَّم
العلماء القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة،
والقراءة الشاذة. أما القراءة الصحيحة فهي القراءة التي توافرت فيها ثلاثة
أركان هي:
- أن توافق وجهًا صحيحًا من وجوه اللغة العربية.
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان بن عفان.
- أن تكون قد نُقلت إلى الوقت الحالي نقلاً متواترًا، أو بسند صحيح مشهور.
فكل
قراءة استوفت تلك الأركان الثلاثة، كانت قراءة قرآنية، تصح القراءة بها في
الصلاة، ويُتعبَّد بتلاوتها.
وهذا هو قول عامة أهل العلم. أما القراءة الشاذة فهي كل قراءة خالفت الرسم
العثماني على المعتمد من الأقوال؛ وبتعبير آخر هي القراءة التي اختل فيها
ركن من الأركان الثلاثة سالفة الذكر. ويدخل تحت باب القراءات الشاذة ما
يسمى بالقراءات التفسيرية، وهي القراءة التي صح سندها، ووافقت العربية، إلا
أنها خالفت الرسم العثماني. ويقول العلماء أن المقصد من القراءة الشاذة
تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة بنت أبي بكر وحفصة
بنت عمر "والصلاة الوسطى صلاة العصر" بدلاً من "حافظوا على الصلاة الوسطى"،
وقراءة ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما" بدلاً من "فاقطعوا أيديهما". فهذه
الحروف - القراءات - وما شابهها صارت مفسِّرة للقرآن.
وقد اتفق العلماء على أن ما وراء القراءات العشر التي جمعها القرّاء، شاذ
غير متواتر، لا يجوز اعتقاد قرآنيته، ولا تصح الصلاة به، والتعبد بتلاوته،
إلا أنهم قالوا: يجوز تعلمها وتعليمها وتدوينها، وبيان وجهها من جهة اللغة
والإعراب. والقراءات التي وصلت الوقت الحالي بطريق متواتر عشر قراءات،
نقلها مجموعة من القراء، امتازوا بدقة الرواية، وسلامة الضبط، وجودة
الإتقان، ومن أصحاب تلك القراءات، وأشهر رواته: قراءة عاصم الكوفي، وأشهر
من روى عنه شعبة وحفص، وقراءة نافع المدني، وأشهر من روى عنه، قالون وورش،
وقراءة أبي عمرو البصري، وأشهر من روى عنه الدوري والسوسي، وغيرهم.
يُلاحظ أن كل ما نُسب لإمام من هؤلاء الأئمة العشرة، يُسمى "رواية" فيُقال
مثلاً: "قراءة عاصم برواية حفص" و"قراءة نافع برواية ورش"، وهكذا.
ذكر
ابن عاشور في تفسيره "التحرير والنتوير" أن القراءات التي يقرأ بها اليوم
في العالم الإسلامي هي: قراءة نافع برواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض
القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من
البلاد والسودان. وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب مصر،
والهند، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان، كما أفاد أن قراءة أبي عمرو البصري
يقرأ بها في السودان أيضًا.
الرسم والتخطيط
إن المقصود برسم المصحف هو الخط أو الطريقة التي كتبت فيها حروف المصحف وفقًا للمصاحف العثمانية.
فالقرآن في عهد النبي محمد وفي عهد عثمان كذلك لم يكن مكتوبًا بنفس
الطريقة التي يُكتب اليوم، فقد كانت الكتابة آنذاك خالية من التشكيل والنقط
والأرقام، ومعتمدة على السليقة العربية التي لا تحتاج لهذا التشكيل. ولم
يتغير هذا الحال إلى أن بدأت الفتوحات واختلط العرب بالعجم،
وبدأ غير الناطقين بالعربية يقعون في أخطاء في قراءته. فكان من الضروري
كتابة المصحف بالتشكيل والنقاط حفاظًا عليه من أن يُقرأ بطريقة غير صحيحة.
وكان
التابعي أبو الأسود الدؤلي أول من وضع ضوابط اللسان العربي، وقام بتشكيل
القرآن بأمر من الخليفة علي بن أبي طالب. وجعل آنئذ علامة الفتحة نقطة فوق
الحرف، وعلامة الكسرة نقطة أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل
علامة السكون نقطتين. وبعد موت أبي الأسود الدؤلي بردح من الزمن تابع وسار
على منواله بعض العلماء، من بينهم الخليل بن أحمد الفراهيدي
الذي كان أول من صنف كتابًا في رسم نقط الحروف وعلاماتها، وهو أول من وضع
الهمزة والتشديد وغيرها من علامات الضبط، ثم دوّن علم النحو ليكون ضابطًا
لقراءة القرآن ليقرأ بشكل سليم لا يخل بمعناه.
ثم بعد ذلك مر رسم المصحف في طور التجديد والتحسين على مر العصور، وفي
نهاية القرن الهجري الثالث، كان الرسم القرآني قد بلغ ذروته من الجودة
والحسن والضبط، حتى استقر المصحف على الشكل المعهود اليوم من الخطوط
الجميلة وابتكار العلامات المميزة التي تعين على تلاوة القرآن تلاوة واضحة
جيدة واتباع قواعد التجويد.
يتّبع مخططوا المصحف 6 قواعد في رسمه، وهي: قاعدة الحذف، وذلك كحذف
الألف في "يأيها"، والياء في "باغٍ"، والواو في "فأوا"، وقاعدة الزيادة،
وذلك كزيادة الألف في "تفتؤا"، والياء في "بأييد"، والواو في "أولو"،
وقاعدة الهمز، وذلك كأن تكتب حال سكونها بحرف حركة ما قبلها "ائذن، اؤتمن"،
وقاعدة البدل، وذلك ككتابة الألف واوًا للتفخيم في "الصلوة"، وكتابة النون
ألفًا في نون التوكيد المخففة "لنسفعاً"، وهاء التأنيث تاء مفتوحة في نحو
"رحمت"، قاعدة الوصل والفصل وذلك كوصل"أن" بحرف "لا"، و"عن"، و"كل" بحرف
"ما"، وقاعدة ما فيه قراءتان، فإنه يكتب برسم إحداهما، نحو "يخدعون، غيبت".
وقد ثار الجدال بين العلماء عمّا إذا كان رسم المصحف توقيفي بأمر النبي
محمد، ولا تجوز مخالفته، أو اصطلاحي باتفاق بين الكتبة وبين الخليفة الراشد
عثمان بن عفان، وتجوز مخالفته، وذهبوا في ذلك مذاهب ثلاثة: المذهب الأول
قال أنه توقيفي لا تجوز مخالفته، وذلك مذهب الجمهور،
ودليلهم في ذلك إقرار النبي محمد الكتبة على كتابتهم، ثم إجماع الصحابة،
ثم إجماع الأئمة من التابعين والمجتهدين عليه، وأدلة أخرى من العقل والنقل.
وقال أصحاب المذهب الثاني أنه اصطلاحي فتجوز مخالفته، وحجتهم في ذلك أن
الله لم يفرض على الأمة شيءًا في كتابته، ولم يرد في السنة والإجماع ما
يوجبه.
أما أصحاب المذهب الثالث فقالوا أنه تجب كتابة المصحف للعامة على
الاصطلاحات الشائعة عندهم، ويجب في ذات الوقت المحافظة على الرسم العثماني
بين الآثار الموروثة عن السلف. والراجح هو ما قاله الجمهور.
كان
النسّاخون والخطاطون يكتبون النص القرآني على الأوراق ويجمعوها في الكتب
إلى حين شيوع الطباعة والمطابع في جميع أنحاء العالم خلال القرن التاسع
عشر. وفي بعض الأماكن، كان النص القرآني يُطبع على ألواح خشبية، وقد شاعت
هذه الوسيلة خلال القرون الوسطى عند مسلمي الصين
خصوصًا. غير أنه لم يصل المؤرخين والباحثين أي مصحف كامل مكتوب بهذا
الشكل، ولعلّ سبب ذلك هو التكلفة العالية التي تتطلبها طباعة هكذا كتاب.
كذلك شاع خلال القرن التاسع عشر طباعة النصوص القرآنية على الأحجار في
أمكنة أخرى.
أقدم
نسخ المصحف المطبوعة بأسلوب الطباعة المنقولة، أو تجميع الحروف، والتي لا
تزال باقية حتى اليوم، هي نسخة أنتجت بالبندقية سنة 1537 أو 1538، ويظهر
بأنها كانت تُحضّر للبيع في الدولة العثمانية، حيث مُنعت الطباعة بهذا
الأسلوب منذ سنة 1485. رُفع حظر الطباعة المنقولة في سنة 1588،
لكن الرأي العام استمر يرفض استخدام الطباعة لإصدار الكتب غير الدينية،
فكان من الطبيعي أن لا يوافق الناس على استخدامها لإصدار المصاحف، واستمر
الأمر على هذا المنوال حتى أواخر القرن التاسع عشر.
يظهر أن هذه المعارضة كان سببها النسّأخ الذين خافوا من انقطاع مورد
رزقهم، وكذلك لأسباب جمالية وخوفًا من وقوع أخطاء عند طباعة النص، مما قد
يُغيّر من معناه. رعت كاثرين الثانية قيصرة روسيا أوّل طباعة حديثة للمصحف
في سنة 1787، وسرعان ما حذت الدولة العثمانية وفارس حذوها، فظهرت نسخة
مطبوعة من قازان في سنة 1828، ومن بلاد فارس سنة 1833، ومن الآستانة سنة
1877.
تصدر
المصاحف حاليًا مطبوعة بالأساليب الحديثة، ومنها ما يصدر بأحجام
كبيرة ومنها ما يصدر صغيرًا يمكن حمله في الجيب، وبعضها يُطبع فيه النص
القرآني خالصًا، وبعضها يصدر في كتاب تتخلله هوامش لتفسير المصطلحات
الواردة ضمن سياق النص. وفي الدول غير العربية تصدر المصاحف بلغتين، فتحوي
صفحة النص الأصلي باللغة العربية، والصفحة المقابلة الترجمة بلغة ذلك
البلد، أو في أحيان أخرى تعلو الترجمة النص العربي. كما أن بعض المصاحف
تُزخرف من الخارج أو تٌزيّن بشكل آخر، ومن الأمثلة على ذلك: نسخة لمّاعة
عثر عليها البريطانيون في مكتبة السلطان فاتح علي خان ٹیپو في الهند سنة
1806، وكان عليها ميداليتين وغطائين نقشت عليهما سورة الفاتحة وبعض
الأدعية.
يصعب
كثيرًا إدراج كامل النص القرآني بكل ما ورد فيه من نقاط وإشارات وعلامات
إنشائية، في رموز شفرية حاسوبية، مثل اليونيكود. يُقدم أرشيف النصوص
المقدسة على شبكة الإنترنت ملفات حرة تحوي كامل النص القرآني على شكل صور
ونصوص يونيكوديّة وقتيّة.
حاول عدد من مصممي البرامج الإلكترونية والشركات المختصة أن يطوروا خطوطًا
حاسوبيّة يمكنها أن تُظهر النص القرآني بالرسم العثماني المعهود في
المصاحف.
الفرق بين القرآن والحديث القدسي
طالع أيضًا: الحديث القدسي
القرآن
عند علماء الشريعة هو كلام الله المنزل على النبي محمد للإعجاز وللتعبد
بألفاظه، فهو من الله لفظًا ومعنى. والحديث القدسي هو ما يرويه النبي محمد
عن ربه بألفاظه هو، ولكن دون التعبد بهذه الألفاظ، وليس للتحدي والإعجاز،
فمعناه من الله، ولفظه من الرسول. والقرآن نزل به جبريل على محمد،
أما الحديث القدسي فلا يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل، فقد يكون
جبريل هو الواسطة فيه، أو يكون بالإلهام، أو بغير ذلك. والقرآن قطعي الثبوت
ويُقسم إلى سور وآيات،
أما الحديث القدسي منه الصحيح والضعيف والموضوع وليس له ذاك التقسيم. كذلك
فإن جاحد القرآن يُكفّر، أما الحديث القدسي فإن من جحد حديثًا أو استنكره
نظرًا لحال بعض روايته فلا يُكفّر. والقرآن لا تجوز روايته أو تلاوته
بالمعنى، بينما الحديث القدسي تجوز روايته بالمعنى.
0 التعليقات :
إرسال تعليق