- المجموعة الثالثة؛ وهي الطائفة التي تشير إلى صفات القرآن التأثيرية، التي تشير إلى علاقة القرآن بالناس، وهي الأسماء التالية: الهدى ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ، الرحمة هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ، الذِكر وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ، الموعظة والبيان هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ، الشفاء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ، التذكرة كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ، الْمُبِينِ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ، البلاغ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ، البشير والنذير بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ، البصائر هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، النور يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ، الفرقان تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
وقد
تباين العلماء في عدد أسماء القرآن، فذكر الزمخشري في تفسيره للقرآن اثنين
وثلاثين اسمًا،وعدّها بعضهم سبعة وأربعين اسمًا، وقال القاضي أبو المعالي
عزيزي بن عبد الملك: "أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسمًا"، وصنف
الحرالي جزءًا وأنهى أساميه إلى نيف وتسعين.
هذا في اللغة، وأما تعريف القرآن اصطلاحًا فقد تعددت آراء العلماء فيه
وذلك بسبب تعدد الزوايا التي ينظر العلماء منها إلى القرآن، فقيل: «القرآن
هو كلام الله العزيز والنص الإلهي المنَّزل بواسطة الوحي على رسول الإسلام
وخاتم النبيين محمد بن عبد الله بلغة العرب ولهجة قريش، المكتوب في
المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته المعجز ولو بسورة منه، وهو
المعجزة الإلهية الخالدة التي زوَّد الله تعالى بها رسوله المصطفى وهو
الميراث الإلهي العظيم والمصدر الأول للعقيدة والشريعة الإسلاميتين».وبعضهم يزيد على هذا التعريف قيودًا أخرى مثل: «المعجز
أو المتحدي بأقصر سورة منه أو المتعبد بتلاوته أو الاسم لمجموع ما هو
موجود بين دفتي المصحف أو المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس».
والواقع أن التعريف الأول تعريف جامع مانع لا يحتاج إلى زيادة قيد آخر،
وكل من زاد عليه قيدًا أو قيودًا لا يقصد بذلك إلا زيادة الإيضاح بذكر بعض
خصائص القرآن التي يتميز بها عما عداه.
كما يسمى القرآن أيضا القرآن المجيد ويصفه المسلمون بعبارة "المحفوظ في الصدور والسطور"، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ،
وممّا ورد من أسمائه، جلها في آيات القرآن الكريم نفسه:الكتاب والفرقان
والمبين والمصحف الشريف والذكرالحكيم والسراج والتنزيل والنور والهدى
والوحي وكلام الله وحبل الله وحبل الله المتين. وفي تفسير ابن كثير للآية
103 من سورة آل عمران، هو الحبل المتين والصراط المستقيم.
أهمية القرآن في الإسلام وعند المسلمين
يؤمن المسلمون أن القرآن الكريم هو آخر كتاب من كتب الله، الذي أنزله على رسوله محمد.
ولهذا يعتبرون أن تلاوة القرآن والاستماع له والعمل به كلها عبادات يتقرب
بها المسلم إلى الله ليطمئن بهِ قلبهُ. يعتقد أكثرهم أنه أساس حضارتهم
وثقافتهم، وبه بدأت نهضتهم في كل مجالات الحياة، الدينية والدنيوية. يقول
الدكتور وصفي عاشور أبو زيد:
يرى
المسلمون
أن الإنسان المسلم لا يستغني عن القرآن؛ فبه حياة قلبه ونور بصره وهداية
طريقه. وكل شيء في حياة المسلم مرتبط بهذا الكتاب، فمنه يستمد عقيدته، وبه
يعرف عبادته وما يرضي ربه، وفيه ما يحتاج إليه من التوجيهات والإرشادات في
الأخلاق والمعاملات، وأن الذي لا يهتدي بهذا الكتاب يضيع عمره ومستقبله
ومصيره، ويسير في ظلمات الجهل والضلالة والضياع،وذلك بناءً على ما جاء في
عدد من السور والأحاديث النبوية، كما في سورة الإسراء: إِنَّ
هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا ؛ وسورة طه وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، وكما ورد في أحد الأحاديث النبوية عن الدارمي عن علي بن أبي طالب قال: «سمعت
رسول الله يقول: "ستكون فتن". قلت: "وما المخرج منها؟" قال: "كتاب الله،
فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو
الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو
حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ
به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن
كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا
"إنا سمعنا قرآنا عجبا". هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل
به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم"».
فالقرآن
ينص على أحكام العقائد، وفيه أحكام العبادات مثل الصوم والزكاة والحج،
وفيه أحكام المعاملات من بيع وشراء وزواج وطلاق وميراث، كما أن فيه أحكام
الأخلاق والآداب.
وقد قام عدد من العلماء الكبار بتأليف كتب كثيرة عبر الزمن تُسمى "أحكام
القرآن" جمعوا فيها الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام الفقهية وما استنبطه
منها أهل العلم من أحكام العبادات والمعاملات، وذلك تسيهلاً على الناس في
الرجوع إليها. ويؤمن المسلمون أن القرآن تضمن كل ما جاء في الكتب السماوية
السابقة مما يحتاج إليه الناس لهدايتهم وتنظيم أمور معاشهم، ومن الآيات
التي يستدلون بها على ذلك، ما ورد في سورة المائدة: وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ
اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ
جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا
الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ،
ويقول أهل التفسير أن القرآن يشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السابقة،
الزبور والتوراة والإنجيل، ويزيد عليها في المطالب الإلهية والأخلاق
النفسية،
فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من
الطرق الموصلة إليه وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين من الأمم والأنبياء
والرسل، واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة والأحكام الذي عرضت
عليه الكتب السابقة، وليس معنى هذا أنه تتبع الجزئيات والأحكام الفرعية،
ولكنه تضمن ما جاء فيها في كليات اتفقت عليها الشرائع السماوية، وهي: حفظ
الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال، والعرض.
بالإضافة
إلى ذلك يؤمن المسلمون أن لبعض آيات القرآن فضل كبير، وأن بعضها يحمي من
الحسد أو وسوسة الشيطان، وذلك بالاستناد إلى عدد من الأحاديث النبوية. ومن
أهم آيات القرآن ذات الفضل العظيم عند المسلمين: آية الكرسي، وهي الآية رقم
255 من سورة البقرة، وعند الكثير من المراجع الشيعية فهي الآيات 255 و 256
و 257، ويُستحب قراءتها كلها مع بعضها.ويقول علماء الدين أن تلك الآية
أعظم آيات القرآن لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى وصفات الله، وأن
قراءتها تحفظ البيت والنفس من الشيطان وتسلطه.
كذلك هناك سورة الفلق، التي يلجأ إليها المسلم متضرعًا إلى الله ليحميه من
الشر غير الملموس الذي لا يقدر على درئه بنفسه، مثل "النفاثات في العقد"
التي يقول بعض المفسرين أنها تشير إلى النساء اللاتي كن يوسوسن في أذن
الرجال وخاصة الأزواج ليثنوهم عن عزمهم المعقود وليوهنوا عزائمهم في أداء
المهام الصالحة، والحسد الذي يلقاه المرء لأسباب مختلفة خلال حياته
اليومية. وأيضًا سورة الناس
التي يلجأ إليها المسلم محتميًا بالله من شرِّ الشيطان الذي يوحي للإنسان
ويأمره في خفاء وتكرار؛ ليجعلهُ يعصي ربّه، وينفث فيه الوساوس التي هي أصلُ
الشر.
التاريخ
تنزيلات القرآن
اختلف علماء المسلمين
في طريقة نزول القرآن فمن الآيات ما يثبت نزول القرآن جملةً ومنها ما يثبت
نزوله منجماً وعلى هذا فإن القرآن مر بعدة تنزيلات منها ماهو جملة ومنها
ماهو منجم في مراحل تنزيله من الله إلى الرسول محمد :
- نزل القرآن أولاً من الله إلى اللوح المحفوظ : ويقصد بهذا النزول ليس نزول علوٍّ وسفل بل يقصد به إثباته في اللوح المحفوظ واعتماده غير قابل للتغيير وحكمة هذا النزول ترجع إلى الحكمة من وجود اللوح نفسه، فإنه السجل الجامع لما كان وما سيكون إلى يوم القيامة. ذكر العلماء الدليل على هذا النزول من القرآن بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
- نزل من اللوح المحفوظ إلى مكان يسمى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر: ودليله من القرآن إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ وفي سورة القدر إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ومن الأحاديث عن ابن عباس أنه قال: "فُصِّلَ القرآن من الذكر"-يعني اللوح المحفوظ- فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزل به على النبي ".وقد نقل أبو شامة المقدسي في كتابة المرشد والوجيز عن هذا النزول فقال:«وقال جماعة من العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله، فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . الحق يعني القرآن فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة، يعني الملائكة وهو قوله سبحانه وتعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ "نقلته من كتاب "شفاء القلوب" وهو تفسير علي بن سهل النيسابوري"».
- ومن بيت العزة نزل به جبريل
على قلب الرسول محمد منجَّمًا أي "مُفرَّقًا" في نحو ثلاث وعشرين سنة على
حسب الوقائع والأحداث، ومقتضيات الأحوال: ودليل ذلك من القرآن قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ وهو الكتاب الوحيد من الكتب السماوية الذي نزل منجماً بدليل وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وقد أستنبط العلماء الحكمة من نزول القرآن بشكل متفرّق خلاف بقية الكتب السماوية وذكروا له عدة حكم منها:
- تثبيت قلب النبي محمد لمواجهة ما يلاقيه من قومه، كما ورد في سورة الفرقان: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ، ففي قول "ورتلناه ترتيلاً" إشارة إلى أن تنزيله شيئًا فشيئًا ليتيسر الحفظ والفهم والعمل بمقتضاه.
- الرد على الشبهات التي يختلقها المشركون ودحض حججهم أولاً بأول: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا
- تيسير حفظه وفهمه على النبي محمد وعلى أصحابه.
- التدرج بالصحابة والأمة آنذاك في تطبيق أحكام القرآن، فليس من السهل على الإنسان التخلي عما اعتاده من عادات وتقاليد مخالفة للقيم والعادات الإسلامية مثل شرب الخمر.
- كان ينزل حسب الحاجة أي ينزل ليرد على أسئلة السائلين.
أما
المقدار الذي كان ينزل من القرآن على النبي محمد فيظهر من الأحاديث
النبوية أنه كان ينزل على حسب الحاجة. ويمكن تقسيم تاريخ القرآن إلى فترتين
زمنيتين رئيسيتين: العهد النبوي، وهي فترة نزول الوحي عند المسلمين، وعهد
الخلفاء الراشدين، وهي فترة حفظ القرآن وجمعه في مصحف واحد.
0 التعليقات :
إرسال تعليق