السور والآيات
يقسم
القرآن إلى 114 فصلاً مختلفة الطول،
تُعرف باسم "السُوَر" ومفردها "سورة". وتُقسم هذه السور إلى قسمين: مكية
ومدنية. وقد قسّم علماء الشريعة سور القرآن إلى ثلاثة أقسام وفقًا لطولها،
ألا وهي: السبع الطوال وهي البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة،
والأنعام، والأعراف، وبراءة. وسميت بالطوال لطولها، والطوال جمع طولى.
والمئون، وهي ما ولي السبع الطوال، سُمِّيَت بذلك لأن كل سورة منها تزيد
على مائة آية أو تقاربها. والمثاني، وهي ما ولي المئين. أما السور المكية
فهي التي نزلت في مدينة مكة قبل الهجرة إلى المدينة، وأغلبها يدور على بيان
العقيدة وتقريرها والاحتجاج لها، وضرب الأمثال لبيانها وتثبيتها وعددها 86
سورة. أما السور المدنية فهي التي نزلت بعد الهجرة في المدينة المنورة،
ويكثر فيها ذكر التشريع، وبيان الأحكام من حلال وحرام وعددها 28 سورة. قام
مسلمي الصدر الأول بتسمية سور القرآن بحسب تكرر الاستعمال، فمن المعلوم أن
العرب
تراعي في الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء
من خَلْق أو صفة تخصه، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق. وعلى ذلك جرت
أسماء سور القرآن، كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة ذكر قصة البقرة
المذكورة فيها، وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردد فيها من كثير من
أحكام النساء، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل في أحوالها،
وسُميت سورة الإخلاص كذلك لما فيها من التوحيد الخالص، وهكذا دواليك.
أولى السور في القرآن هي سورة الفاتحة، وقد جُمعت السور الطويلة في أوّل
المصحف والقصيرة في آخره، وبالتالي فإن ترتيب السور ليس بحسب تاريخ نزولها،
وجميع هذه السور تبدأ بالبسملة:
،
عدا سورة التوبة،
ويفسّر العلماء ذلك بقولهم إنها نزلت بالقتال والبسملة بركة وطمأنة فلا
يناسب أن تبدأ السورة التي في القتال وفي الحديث عن المنافقين بالبسملة،
وقيل أيضًا لأن العرب كان من شأنهم أنهم إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا
أرادوا التوقف عنه كتبوا إليهم كتابًا ولم يكتبوا فيه بسملة، فلما نزلت
السورة بنقض العهد الذي كان بين النبي محمد والمشركين بعث بها النبي علي بن
أبي طالب، فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب.[126]
لكن على الرغم من ذلك، فإن عدد البسملات في القرآن يصل إلى 114 بسملة
ليتساوى بذلك مع عدد السور، وذلك لأن إحدى البسملات ذُكرت في صُلب سورة
النمل، على أنها ما كان النبي والملك سليمان يفتتح به رسائله إلى بلقيس
ملكة سبأ:
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تُقسم
كل سورة من سور القرآن إلى عدّة آيات
يختلف عددها باختلاف السور، كما يختلف طولها أيضًا، حيث أن بعضها عبارة عن
بضعة حروف وبعضها الآخر عبارة عن عدد من السطور. وقد نزلت الآيات القرآنية
متميزة عن بيوت الشعر العربي الجاهلي في القافية والوزن، وجاءت شبيهة جدًا
بالعبارات المنسوبة إلى أنبياء العهد القديم المذكورة في الكتاب المقدس،
وفي هذا قال العلماء المسلمون أنها نزلت على هذا الشكل لتؤكد نبوّة محمد
ولتجابه العرب الوثنيين في أكثر ما تميزو به وأتقنوه، ألا وهو الشعر، وذلك
بأن ترغمهم على التفكّر في كيفية إمكان شخص أميّ لا يقرأ الشعر أو يتقنه،
أن يأتي بما يفوقه فصاحة. أما عدد آيات القرآن فقد جاء باجتهاد من كبار
الصحابة والتابعين ومن روى عنهم، فالنص القرآني محفوظ عندهم ولكن الرسول
محمد لم يحدد لهم عدد آيات سورة بعينها إلا سورة الملك في حديثه عن سورة
ثلاثون آية تنجي من عذاب القبر، وسورة الفاتحة،
عدا ذلك فقد اجتهد علماء المسلمين منذ القرن الأول الهجري في تحديد أي
المواضع التي أثر عن النبي محمد هي رؤوس الآيات فنتج عن ذلك سور اختلف
العادون مواضع رؤوس الآيات فيها وبالتالي في عدد آياتها، وسور اتفق العادون
في عدد آياتها واختلفوا في مواضع رؤوس الآيات، وسور اتفق العادون في عدد
آياتها ومواضع رؤوس الآيات فيها. على الرغم من ذلك فإن العلماء اتفقوا على
أن الآيات لا تقل عن ستة آلاف، أما ما يزيد عن ذلك فمنهم من قال: مئتا آية
وأربع آيات، وقيل: أربع عشر آية، وقيل مئتان وتسع عشرة آية وقيل مئتان وخمس
وعشرون آية أو ست وعشرون، وقيل مائتان وست وثلاثون آية.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف في عدد الآيات لا يعنى وجود نصوص مختلفة،
وإنما سببه الاختلاف في تحديد مواضع بداية ونهاية بعض الآيات.
كلمات القرآن وحروفه وأعداده
قال
السيوطي في الإتقان أن كلمات القرآن تبلغ سبعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة
وتسع وثلاثون كلمة (77,439)، بينما قال أبو حامد الغزالي أن القرآن يحتوي
على 77200 كلمة. أما بالنسبة لعدد حروف القرآن فقد ذكر ابن كثير في تفسيره
عن مجاهد أنه قال: «هذا ما أحصيناه من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وعشرون ألفاً وخمسة عشر حرفًا»،
بينما قال أبو حامد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين أن عدد حروف القرآن
هو 321,250 حرفًا. ونقل القرطبي عن سلام أبي محمد الحماني: أن الحجاج بن
يوسف جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: «أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟». قال: «وكنت فيهم فحسبنا فأجمعنا على أن القرآن 340,740 حرفًا»، قال: «فأخبروني إلى أي حرف ينتهي نصف القرآن»، فإذا هو في الكهف في الفاء. قال: «فأخبروني بأثلاثه»، فإذا الثلث الأول رأس مائة من براءة والثلث الثاني رأس مائة وإحدى من الشعراء والثلث الثالث ما بقي من القرآن.
إدّعى
عالم مصري مختص بالكيمياء الحيوية ويُدعى رشاد خليفة، في عام 1974، أنه
اكتشف صيغة رياضية مبنية على رقم 19 المذكور صراحةً في سورة المدثر:
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
غير أنه عندما قام علماء الأزهر
وغيرهم من العلماء المسلمين بالتدقيق في ما قاله خليفة، تبيّن أن تلك
الصيغة تتجلى في نسخة من المصحف قام خليفة بطبعها ونشرها بنفسه، جازمًا
فيها بمواضيع خلافية كثيرة، كما ظهر أنه لم يلتزم بقاعدة معينة في الإحصاء،
وإنه تعمّد التحريف والتلفيق ليخلص إلى نتيجة أنّ تكرار أحرف أ، ل، م، ص،
ر، المذكورة في بعض السور مثل البقرة وآل عمران ومريم وإبراهيم وغيرها، هو
من مضاعفات العدد 19.



الأحكام والإعجاز والقصص
طالع أيضًا: الإعجاز العلمي في القرآن
ورد في سياق النص القرآني عدد من الأحكام المهمة المتعلقة بأداء
العبادات وتنظيم الحياة اليومية والمعاملات بين الناس، فقد ورد فيه على
سبيل المثال كيفية الوضوء سواء أكان الإنسان صحيحًا أم سقيمًا، وسواء وُجد الماء أم لم يوجد:
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ
وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ
الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء
فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم
مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن
يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ
،
وورد فيه تحريم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والزنا والربا، وغير ذلك من
الأمور. بالإضافة إلى ذلك وردت في القرآن عدّة سور تتحدث عن العدل والأخلاق
وتعلّم الفضائل وتأمر بها، فقد ورد في سورة الجمعة أنّ إحدى الأهداف
المهمّة، لبعثة النبي محمد،
هو تزكية النّفوس وتربيّة الإنسان، وبلورة الأخلاق الحسنة، في واقعه
الوجداني، بحيث يمكن أن يُقال إنّ تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة التي
أشارت إليها تلك السورة، يعُد مقدمة لمسألة تزكية النّفوس وتربية الإنسان،
والذي بدوره يشكّل الغاية الأساسيّة لعلم الأخلاق. كما عظَّم القرآن شأن
الأمانة وأوضح أهميتها:
إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
وقد ورد الأمر فيه بوجوب ردها وافية غير منقوصة.
وتعرّض القرآن إلى كيفية معاملة اليتيم وكيفية معاملة الوالدين والزوجة
والجار والأبناء. أما اليتيم فقد تعرضت له اثنين وعشرين آية مقسمة إلى
أقسام ثلاثة: تعرّض القسم الأول منها إلى بيان شمول اللطف الإلهي له في
الشرائع السابقة، من مسيحية ويهودية:
وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ
وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
، والايصاء به، وتعرّض القسم الثاني إلى بيان حقوقه الاجتماعية، وتركز القسم الثالث على بيان حقوقه المالية. كما طفحت سورة النساء
بالآيات التي تتحدث عن حقوق المرأة الاجتماعية والزوجية والمالية، التي
قررت لزوم الإنفاق عليها من قبل الزوج ما دامت في حبالته، ومرتبطة معه
برباط الزواج المقدس، وحريتها في اختيار الزوج الذي تريد إذا كانت ثيبًا،
وغير ذلك من الأمور.
ورفع القرآن من شأن الوالدين بدرجة كبيرة، وحث الإنسان على العناية بهما
خاصة وقت الكبر لغلبة العجز على حالهم والدعاء لهما بالرحمة والمغفرة، ونهى
أشد النهي عن الإساءة إليهما حتى بقول "أف":
وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا














يقول
بعض الباحثين وعدد من علماء الشريعة المختصين أيضًا بمجالات علمية
متنوعة، أن القرآن يشير إلى معلومات علميّة كثيرة في عدد من الآيات، وأن
هذا يُشكل الدليل القاطع على أن مصدره الله العليم والعارف بكل شيء. وقد
انتشر الاعتقاد بأن القرآن بيّن عدّة نظريات علمية معروفة، قبل اكتشافها
بمئات السنين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبرز عدد من العلماء
ليؤكدوا ذلك، من أشهرهم الدكتور زغلول النجار، الذي ربط في عدّة محاضرات
جامعية وتلفازية بين ما جاء في بعض الآيات وما أقرّته نظريات علمية في
القرن العشرين وما سبقه. ومن أبرز ما قيل في هذا المجال على سبيل المثال،
أن الآية السابعة والستين من سورة الأنعام:
لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
،
تشير إلى أن ما ورد في القرآن من معلومات علميّة سوف يُكتشف مع مرور
الزمن، وأن الكون خُلق فعلاً من انفجار عظيم، وأن أدنى نقطة على سطح الأرض
هي البحر الميت، وأن الجنين يُخلق في أطوار، وغير ذلك من الأمور. كذلك يقول
علماء التفسير أن القرآن تنبأ ببعض الحوادث التي ستقع مستقبلاً، من أشهرها
هزيمة الفرس على يد الروم البيزنطيين خلال عقد العشرينيات من القرن
السابع، بعد أن كان الفرس قد هزموا الروم قبلاً وفتحوا قسمًا من
إمبراطوريتهم:
الم
غُلِبَتِ الرُّومُ
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
،
فقد نزلت هذه الآية في سنة 615، أي قبل 6 أو 7 سنوات من انقلاب ميزان
القوى لصالح البيزنطيين.
بالمقابل، هناك عدد من العلماء الذين يُعارضون فكرة وجود إعجاز علميّ في
القرآن، قائلين أنه ليس بكتاب علوم، ومن أبرز الذين قالوا بذلك أبو الريحان
البيروني، الذي وضع القرآن في تصنيف خاص به وحده، وقال أنه "لا يتدخل في
شأن العلم ولا يُخالطه"،
ومن الأسباب التي جعلت البيروني وغيره من علماء عصره، ومن تلاهم، يقولون
بعدم وجود إعجاز علمي في القرآن، وجود عدّة تفسيرات علمية لظاهرة طبيعية
وحيدة، فالعلم دائمًا ما يتغير والنظريات دائمًا ما تتبدل وتُدحض، فلا يمكن
القول بصحة إحداها طيلة الزمن.










بالإضافة
إلى الأحكام والدلائل العلمية وفق بعض العلماء، وردت في القرآن
أغلب قصص الأنبياء والصالحين الذين سبقوا محمدًا، والذين ذكروا في الكتاب
المقدس، وبخاصة في التوراة منه، ويُلاحظ أن هذه القصص يتطابق أغلبها مع ما
جاء في الكتاب المقدس، ومن أبرزها: خلق آدم وحواء، قابيل وهابيل، إبراهيم،
يوسف، موسى وفرعون وخروج بني إسرائيل من مصر، داود وسليمان ومملكة سبأ، أهل
الكهف، ولادة المسيح المنتظر من مريم العذراء بأمر من الله، وغير ذلك من
القصص.
0 التعليقات :
إرسال تعليق