2. ذهاب الحياء والتخفي الجسمي والحركي والصوتي والذي هو سر جمال المرأة؛ وبهذا المنطق يجب فهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعل صلاتها في بيتها أفضل في الأجر والمثوبة من صلاتها في المسجد، على عكس ما سنَّه للرجل تماماً. وذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها} رواه أبو داود والحاكم عن ابن عمر وأم سلمة رضي الله عنهما وأوضح منه قوله صلى الله عليه وسلم {لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد}رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها.
3. افتضاح المرأة في أمور جعل الله تعالى مبناها على الستر، وبيان ذلك أن الله تعالى جبل النساء على جملة من الأعذار التي تحول بينهن وبين بعض العبادات، فلو أن المرأة صلت بالرجال الجمعة ووقفت بينهم خطيبة، ثم فاجأها الحيض وهي على تلك الحال فلا خيار أمامها إلا أحد أمرين أحلاهما مر: إما أن تتمادى في خطبتها فتقع في الإثم وتلحقها المذمة الشرعية لكونها قد تعمدت إهمال شرط الطهارة فيما هي شرط فيه بغير خلاف، وإما أن تترك الخطبة وتقطعها فيفتضح أمرها بين الناس، وما كان أغناها عن ذلك. ويتضح جمال الإسلام حين نعلم أنه لم يمنع المرأة من الترقي في طلب العلم إلى أعلى الدرجات ولم يحل بينها وبين الإفتاء للرجال والنساء متى ما حصلت الآلة التي تعينها على ذلك؛ إذ لا يتنافى هذا مع طبيعتها، وقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها أعلم نساء العالمين، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض والأحكام، وكانوا يرجعون إليها وينزلون على قولها عند التنازع، وذلك ثابت في وقائع كثيرة من السنة النبوية المطهرة.
4. من السنة للخطيب أن يرفع صوته ويشير بيده كما في الحديث {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب علا صوته واشتد غضبه واحمرت عيناه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم} رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه، فهل يجمل بالمرأة أن تفعل ذلك؟ وهل يوافق ذلك طبيعتها؟
فماذا يريد الداعون إلى خروج المرأة عن طبيعتها وإقحامها فيما لا يليق بها من أعمال؟ هذا سؤال يطرح نفسه، ويملك الجواب عنه من نوَّر الله بصائرهم.
3ـ شهادة المرأة: في قوله تعالى )فإن لم يكونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى([1] يشغب كثير من الناس بهذه الآية، ويستدلون بها على أن الإسلام قد هضم المرأة حقها، فيضطر آخرون ـ تحت وطأة الهزيمة النفسية ـ إلى التملص منها أو تحميلها ما لا تحتمل حتى ربما قال بعضهم أخيراً: إن هذا لا أساس له من الدين، وشهادة المرأة كشهادة الرجل بل هي أفضل!! وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
إن الآية واضحة الدلالة، وقد فهمها المسلمون ـ سلفاً وخلفاً ـ فهماً واحداً في الجملة، وليس فيها ما يعيب المرأة، بل هي مراعاة لطبيعتها وفهم لجبلتها، يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: فأما حين لا يوجد رجلان فليكن رجل واحد وامرأتان؛ ولكن لماذا امرأتان؟ إن النص لا يدعنا نحدس! ففي مجال التشريع يكون كل نص محدداً واضحاً معللاً )أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى( والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة؛ فقد ينشأ من قلة خبرة المرأة بموضوع التعاقد، مما يجعلها لا تستوعب كل دقائقه وملابساته ومن ثم لا يكون من الوضوح في عقلها بحيث تؤدي عنه شهادة دقيقة عند الاقتضاء، فتذكرها الأخرى بالتعاون معاً على تذكر ملابسات الموضوع كله، وقد ينشأ من طبيعة المرأة الانفعالية؛ فإن وظيفة الأمومة العضوية البيولوجية تستدعي مقابلا نفسياً في المرأة حتماً، تستدعي أن تكون المرأة شديدة الاستجابة الوجدانية الانفعالية لتلبية مطالب طفلها بسرعة وحيوية لا ترجع فيهما إلى التفكير البطيء . . وذلك من فضل الله على المرأة وعلى الطفولة . . وهذه الطبيعة لا تتجزأ، فالمرأة شخصية موحدة هذا طابعها - حين تكون امرأة سوية - بينما الشهادة على التعاقد في مثل هذه المعاملات في حاجة إلى تجرد كبير من الانفعال، ووقوف عند الوقائع بلا تأثر ولا إيحاء. ووجود امرأتين فيه ضمانة أن تذكر إحداهما الأخرى - إذا انحرفت مع أي انفعال - فتتذكر وتفيء إلى الوقائع المجردة[2].
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال {وأما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل}[3]
فبيَّن أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن على نصف رجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هي أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة.[4]
وبعد: فإن مسائل عديدة تستوجب التعليق لم أتعرض لها في ورقتي هذه لضيق الوقت، ولكن لا بد من معالجتها إن شاء الله، ومن ذلك: طلب المرأة للعلم، عملها خارج البيت، سفرها بلا محرم، ولايتها القضاء والحكم، قوامة الرجل، تشريعات الطلاق، ما تتعرض له من ظلم في قضايا الميراث والحقوق الزوجية، الخلوة والاختلاط، الحجاب... وأسأل الله العون والتسديد.
0 التعليقات :
إرسال تعليق