الحديث و الدعاء و الحكمة

محاضرة اسلامية

                                    بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المصنف للطبعة العربية
هذه ثماني خطب في ثماني نواح من السيرة النبوية ، على صاحبها الصلاة والتحية ، ألقيتها سنة (1344هـ) باللغة الأوردية – لغة عامة الهند – على جماعات من شباب المسلمين وطلبة الكليات في مدينة مدارس الهند ، فاستمع لها المحاضرون بآذان صاغية ، وتلقاها المستمعون بقلوب واعية ، وقرظتها الصحف والمجلات بكلمات مشجعة ، وامتدحها أهل الفضل بالثناء والإطراء ، جزاهم الله خيراً .
وكان ذلك مما شجعني على طبعها ونشرها ، فطبعت ونشرت مرات ، وأدخلتن في مناهج التعليم في بعض الولايات , ثم تنقلها المترجمين إلى الإنكليزية فعم نفعها . وقد أحببت أن أنقلها إلى العربية لترد البضاعة إلى أهلها فلم يتيسر لي ذلك لكثرة المشاغل ، فرغبت إلى بعض أصحابي أن يكفوني مؤونة النقل ، فاستجاب لذلك الأخ الصالح الأديب الفاضل محمد ناظم الندوي ؛ أستاذ اللغة العربية بدار العلوم لندوة العلماء سابقاً، وشيخ الجامعة العباسية في بهاولبور الآن ، فأتم ذلك في عدة أشهر من سنة (1366هـ)، وحاولت دون طبعها حوادث سياسية حدثت بالهند ... فلما سكنت الزعازع ، وأتيح لي الاتصال ببعض الإخوان من الإخوان المسلمين ، سألوني أن أقدم إليهم لعض مؤلفاتي لتنشر على أبناء العربية بمصر ، فلبيت دعوتهم ، وأهديت إليهم هذه الخطب لتكون مقدمة لأخواتها ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها شباب المسلمين ، ويجعلها وسيلة لي يوم الدين.
كراتشي (عاصمة باكستان)
20 شعبان 1371هـ 14 مايو 1952
المخلص الداعي
سليمان الندوي



نبذة عن مؤلف الكتاب
اسمه ونسبه وأسرته :
هو العلامة النحرير المفسر المحدث والفقيه والكاتب القدير ، النابغة في الإنشاء والأدب والتحرير ، سليمان بن أبي الحسن بن محمد شير ، المعروف بالحكيم محمدي بن عظمة الله على بن وجيه الدين المعروف بالأمير جكن ، يصل نسبه الشريف إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وبد هذا الإمام العلامة في أشرة علمية ودينية عريقة ، حسينية النسب ، شهيرة بالعلم والتقوى ، والفضل والصلاح ، بقرية (ديسنة) من ولاية بيهار – الهند يوم الجمعة لسبع بقين من شهر صفر سنة اثنتين وثلاثمائة ألف من الهجرة ، الموافق الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سنة أربع وثمانين وثمانمائة وألف ميلادي .
نشأته :
نشأ رحمه الله على حب الاطلاع ، والعكوف على العلم ، كان منذ نعومة أظفاره، ومن مستهل طفولته على دأب نادر في اكتساب العلوم والمعارف ، فكانت تلوح على جبينه علائم الرشد ، وتتجلي فيه بوارق الذكاء ، حتى تفرس بعض ذوي البصيرة أنه سيكون له شأن كبير ، ومكانه عالية رفيعة ، ترعرع رحمه الله في بيئة علمية وأدبية يسودها جو من الصلاح والتقوى ، ونشأ على أيد أمينة ربته على عقيدة صافية زكية لا تشوبها بدع أو خرافات، حيث قرأ كتاب (تقوية الإيمان) على أخيه.
يقول متحدثاً عن نفسه رحمه الله : "كان هذا أول كتاب علمني طريق الحق تعليماً ثبتت جذوره في قلبي".
طلبه للعلم :
تلقى رحمه الله العلوم الابتدائية من حضرة والده وشقيقه الأكبر السيد أبي حبيب النقشبندي (ت 1927م) ، ثم ارتحل رحلته العلمية إلى (فلواري شريف) إحدى ضواحي العاصمة (بتنه) (patna) ، بولاية (بيهار) ، ومكث هناك عاماً حيث قرأ على يد الشيخ (محي الدين المحبي), فنشأ فيه التذوق للأدب والشعر ، كما أخذ دروس المنطق من العلامة (سليمان الفلواوي) ، ثم ارتحل إلى المدرسة الإمدادية في مديرية (دربنجه) بولاية (بيهار) ، ودرس هناك كتاب (الهداية) للمرغيناني في الفقه الحنفي على الشيخ مرتضى حسن الديونبدي ، و(شرح التهذيب) في المنطق على الشيخ فدا حسين الآروي.
التحاقه بدار العلوم لندوة العلماء :
التحق العلامة رحمه الله بدار العلوم لندوة العلماء بلكنو في عام (1901م) ، وارتوى من علوم أهلها ومعارفهم لمدة خمس سنوات ، وكانت ساحة ندوة العلماء إذ ذاك مزدانة مستنيرة بالعلم ، تتلألأ بجهابذة العلماء الربانيين ، وكبار المشايخ من المحدثين والفقهاء والمفسرين ، فسنحت الفرصة للعلامة الندوي أن ينهل من علومهم ، ويرتوي من معارفهم ، ويكسب من فيوضهم وبركاتهم ، ويروي غليله العلمي في الظل الوارف من هؤلاء العباقرة ، حتى كسته صحبتهم علماً غزيراً وروعة وبهاء في الأخلاق والآداب ، واكتملت ثقافته هناك .
وهؤلاء هم أهم الأعلام الذين درس عليهم العلامة الندوي ، واستفاد منهم في حياته العلمية :
 1- المفتي الكبير العلامة الشهير الشيخ الفاضل عبد اللطيف بن إسحاق الحنفي السنبهلي ، المتوفى عام (1379هـ) ، وقد قرأ عليه الشيخ الندوي بعض كتب الفقه.
2- الشيخ العالم الكبير المحدث حفيظ الله البندوي ، المتوفى عام (1362هـ) ، وقد أخذ عنه السيد الندوي الحديث الشريف وشيئاً من علم الهيئة.
3- الشيخ العلامة محمد فاروق بن علي أكبر العباسي الجرياكوتي ، المتوفى عام (1327هـ) ، وقد أخذ عنه السيد الندوي علم المنطق والفلسفة والأدب العربي.
4- العالم الصالح الشيخ الفاضل شلبي بن محمد على الجيراجفوري ، المتوفى  عام (1364هـ).
5- العلامة الكبير مؤرخ الهند الشهير المحدث الطبيب السيدات والسيد عبد الحي بن فخر الدين الحسني ، المتوفى عام (1341هـ) ، وقد قرأ عليه الشيخ الندوي (مقامات الحريري).
6- العلامة الجليل المؤرخ العظيم الباحث النقاد شبلي النعماني ، المتوفى عام (1332هـ)، وقد أخذ عنه السيد الندوي الأدب العربي ، وقرأ عليه (دلائل الإعجاز) ، كما أخذ عنه علم الكلام ، وتدرب عليه في الكتابة والتأليف والإنشاء والعناية بالسيرة النبوية.
نبوغه وعبقريته ومكانته العلمية :
كان العلامة الندوي رحمه الله عالماً موسوعياً بمعني الكلمة ، يجمل في صدره مكتبة واسعة في العلوم والفنون ، وكانت ذاكرته تزخر بأنواع من الدرر واللآلئ من جميع الفنون.
1- في القرآن الكريم وعلومه :
فإذا بحثنا عنه في مجال كتاب الله رأيناه دائم التدبر فيه ، إيمانا منه بأن ثمرة التلاوة التدبر والتذكر ، مع الاهتمام الكبير باستنباط المسائل العقدية والفقهية والخلقية والسياسية من ألا القرآن الكريم ، وشرح لطائفة الأدبية ، وتحقيق مباحثه التاريخية ، وكتابه (أرض القرآن) خير دليل على ذوقه هذا ، بالإضافة إلى ذلك كانت له دروس منتظمة في تفسير القرآن الكريم تفسيراً علمياً تحقيقياً دقيقاً ، كما كانت لديه خطة لتدوين المسائل القرآنية وترتيبها وفق الأسلوب العصري ، وإفراد الآيات القرآنية المتعلقة بالقضايا والشؤون العقائدية ، والأحكام الفقهية والمباحث الاقتصادية ، وكلها على حدة.
2- في الحديث الشريف :
لم يكن نصيبه فيه أقل من الفنون الأخرى ، وكان كثير الاشتغال بكتب الأحاديث والسنن والآثار ، ومن حبه لسنن والآثار والاشتغال بها كان دائم الحرص على اقتناء كتب السنة والحديث لدار المصنفين ، حتى أصبحت خزانة دار المصنفين حافلة بكتب الحديث ورجاله.
وإن أهم مميزة تميز بها العلامة الندوي في شرح أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم : هي أنه كان معنياً بأن يكون فهم الحديث الشريف في إطار العمل النبوي الشريف المشتمل على إدراك الجو الذي جاء فيه ، ليكون تطبيقه على الحياة أوفق وأجدر.
وتصديه لمنكري السنة وتفنيد شبهاتهم ودحص مزواعمهم الباطلة أمر معروف ، وقد ألف لهذا الغرض رسالة مشهورة بعنوان (تحقيق معني السنة وبيان الحاجة إليها)([1]).


3- في الفقه الإسلامي :
وإذا نظرنا إلى الشيخ الندوي رحمه الله كفقيه نجد أنه يتمتع ببصيرة فقهية تامة ، ولقد توفرت له وسائل تحقيق المذاهب والاجتهاد لما آتاه الله تعلى من المملكة في معرفة اللغة العربية وآدابها . والعلم الواسع الدقيق بالقرآن الكريم وعلومه ، والحديث الشريف ، والناسخ والمنسوخ ، والاطلاع العميق على مصادر الفقه وأصوله وقواعده ومذاهب الأئمة، وآراء الفقهاء.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ رحمه الله كان أول عهده بالبحث والتحقيق محققاً في المذهب لا يتقيد بمذهب ، سلفي النزعة في العقائد ، يؤمن كما آمن السلف الصالح من غير تكييف ولا تعطيل . وما زال يكتب ويحاضر متشبعاً بهذا المنهج الفكري إلى أن أربي على الخمسين من عمره ، ثم جعل يميل شيئاً فشيئاً إلى التنسك والتصوف ، فمن ذلك اليوم بدأت تظهر آثار التدرج عنده نحو الحنفية والمتصوفة في كثير من المسائل ، وكذلك تغيرت وجهة نظره في كثير من المسائل المستحدثة ، والمشاكل الجديدة المتنوعة.

0 التعليقات :

Copyright @ 2013 مؤسسة الاسلام .