الحديث و الدعاء و الحكمة

فوائد الذكر الطيب...

هذيانها، والأرض من دواوينها.
وما أكثر المستجيبين لهؤلاء، والقابلين منهم، والقائمين بدعوتهم، والمحامين عن حوزتهم، والمقاتلين تحت ألويتهم، والمكثرين لسوادهم!
ولعموم البلية بهم، وضرر القلوب بكلامهم، هتك الله أستارهم في كتابه غاية الهتك، وكشف أسرارها غاية الكشف، وبين علاماتهم، وأعمالهم، وأقوالهم، ولم يزل – عز وجل – يقول: ومنهم ... ومنهم ... ومنهم ... حتى انكشف أمرهم، وبانت حقائقهم، وظهرت أسرارهم.
وقد ذكر الله – سبحانه وتعالى – في أول سورة البقرة أوصاف المؤمنين والكفار والمنافقين؛ فذكر في أوصاف المؤمنين ثلاث آيات، وفي أوصاف الكفار آيتين، وفي أوصاف هؤلاء بضع عشرة آية؛ لعموم الابتلاء بهم، وشدة المصيبة لمخالطتهم؛ فإنهم من الجلدة، مظهرون الموافقة والمناصرة؛ بخلاف الكافر الذي قد تأبد بالعداوة، وأظهر السرية، ودعاك بما أظهره إلى مزايلته ومفارقته.
ونظير لهذين المثلين المثلان المذكوران في سورة الرعد في قوله – تعالى: }أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا{ [الرعد: 17].
فهذا هو المثل المائي، شَبَّه الوحي الذي أنزله بحياة القلوب بالماء الذي أنزله من السماء، وشبه القلوب الحاملة له، بالأدوية الحاملة للسيل؛ فقلب كبير يسع علمًا عظيمًا كوادٍ كبير يسع ماءً كثيرًا.
وقلب صغير كواد صغير يسع علمًا قليلاً.
فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها، كما سالت الأودية بقدرها.
ولما كانت الأودية ومجاري السيول فيها الغثاء ونحوه؛ مما يمر عليه السيل، فيحتمله السيل، فيطفو على وجه الماء زبدًا عاليًا، يمر عليه متراكبًا، ولكن تحت الماء الفرات الذي به حياة الأرض، فيقذف الوادي ذلك الغثاء إلى جنبتيه، حتى لا يبقى منه شيء، ويبقى الماء الذي تحت الغثاء يسقى الله تعالى به الأرض، فيحيي به البلاد والعباد، والشجر والدواب، والغثاء يذهب جفاءً يجفى، ويطرح على شفير الوادي.
فكذلك العلم والإيمان الذي أنزله في القلوب، فاحتملته، فأثار منها بسبب مخالطته لها ما فيها من غثاء الشهوات، وزبد الشهوات الباطلة، يطفو في أعلاها، واستقر العلم والإيمان والهدى في جذر القلب؛ فلا يزال ذلك الغثاء والزبد يذهب جفاءً، ويزول شيئًا فشيئًا، حتى يزول كله، ويبقى العلم النافع والإيمان الخالص في جذر القلب؛ يرده الناس، فيشربون، ويسقون، ويمرعون([1]).
وفي «الصحيح» من حديث أبي موسى عن النبي r قال: «مثل ما بعثني الله – تعالى – به من الهدى كمثل غيث أصاب أرضًا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها طائفة أجادبُ أمسكت الماء، فسقى الناس وزرعوا.
وأصاب منها طائفة أخرى؛ إنما هي قيعانٌ، لا تمسك الماء، ولا تنبت كلأ.
فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله – تعالى، ونفعه ما بعثني الله به، فعلِمَ وعلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسلتُ به»
فجعل النبي r الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى:
ورثة الرسل، وخلفاء الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام، وهم الذين قاموا بالدين علمًا وعملاً ودعوة إلى الله – عز وجل – ورسوله r؛ فهؤلاء أتباع الرسل – صلوات الله عليهم وسلامه – حقًا، وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت، فقبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فزكت في نفسها، وزكا الناس بها.
وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين، والقوة على الدعوة، ولذلك كانوا ورثة الأنبياء صلى الله عليهم وسلم الذين قال الله تعالى فيهم: }وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ{ [ص: 45].
أي: البصائر في دين الله – عز وجل ؛ فبالبصائر يدرك الحق ويعرف، وبالقوى يتمكن من تبليغه، وتنفيذه، والدعوة إليه.
فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين، والبصر بالتأويل، ففجرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها كنوزها، ورُزقت فيها فهما خاصًا؛ كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد سئل: هل خَصكُم رسول الله r بشيء دون الناس؟
فقال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة؛ إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه([3]).
فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الكثير الذي أنبتته الأرض، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن غيرها.
الطبقة الثانية: فإنها حفظت النصوص، وكان همها حفظها وضبطها، فوردها الناس، وتلقوها منهم، فاستنبطوا منها، واستخرجوا كنوزها، واتجروا فيها، وبذروها في أرض قابلة للزرع والنبات، ووردوها كلٌّ بحسبه: }قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ{ [البقرة: 60].
وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي r: «نَضَّرَ الله امرءًا سمع مقالتي، فوعاها، ثم أداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»([4])([5]).
وهذا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن؛ مقدار ما سمع من النبي r لم يبلغ نحو العشرين حديثًا الذي يقول فيه: سمعت، ورأيت. وسمع الكثير من الصحابة، وبورك في فهمه والاستنباط منه، حتى ملأ الدنيا علمًا وفقهًا.
قال أبو محمد بن حزم: وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار.
وهي بحسب ما بلغ جامعها، وإلا فعلم ابن عباس كالبحر، وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس.
وقد سمع كما سمعوا، وحفظ القرآن كما حفظوا، ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي، وأقبلها للزرع، فبذر فيها النصوص، فأنبتت من كل زوج كريم: }ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ [الجمعة: 4].
وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوى أبي هريرة وتفسيره؟ وأبو هريرة أحفظ منه، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق: يؤدي الحديث كما سمعه، ويدرسه بالليل درسًا، فكانت همته مصروفة إلى الحفظ، وتبليغ ما حفظه كما سمعه، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط، وتفجير النصوص، وشق الأنهار منها، واستخراج كنوزها.
وهكذا الناس بعده قسمان:
قسم: حفاظ، معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا، ولا يستنبطون، ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه.
وقسم: معتنون بالاستنباط، واستخراج الأحكام من النصوص، والتفقُّه فيها.
فالأول: كأبي زرعة، وأبي حاتم، وابن داره.
وقبلهم: كبندار؛ محمد بن بشار، وعمرو الناقد، وعبد الرزاق.
وقبلهم: كمحمد بن جعفر؛ غندر، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم من أهل الحفظ والإتقان والضبط لما سمعوه من غير استنباط، وتصرف، واستخراج الأحكام من ألفاظ النصوص.
والقسم الثاني: كمالك، والشافعي، والأوزاعي، وإسحاق، والإمام أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبي داود، ومحمد بن نصر المروزي، وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية.
فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله – تعالى – به رسوله r، وهم الذين قبلوه، ورفعوا به رأسًا.
وأما الطائفة الثالثة: وهم أشقى الخلق الذين لم يقبلوا هدى الله، ولم يرفعوا به رأسًا؛ فلا حفظ، ولا فهم، ولا رواية، ولا دراية، ولا رعاية.
فالطبقة الأولى: أهل رواية ودراية.
والطبقة الثانية: أهل رواية ورعاية، ولهم نصيب من الدراية؛ بل حظهم من الرواية أوفر.
والطبقة الثالثة: الأشقياء؛ لا رواية، ولا دراية، ولا رعاية؛ }إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا{ [الفرقان: 44].
فهم الذين يضيقون الديار، ويغلون الأسعار، إنْ همُّ أحدهم إلا بطنُه وفرجه؛ فإن ترقت همته كان همه – مع ذلك – لباسه وزينته، فإن ترقت همته فوق ذلك؛ كانت في الرياسة والانتصار للنفس الغضبية، فإن ارتفعت عن نصرة النفس الغضبية؛ كان همه في نصرة النفس الكلبية؛ فلم يعطها، إلى نصرة النفس السبعية، (وأما النفس الملكية) فلم يعطَها أحد من هؤلاء؛ فإن النفوس كلبية وسبعية وملكية ([6]).
فالكلبية: تقنع بالعظم، والكسرة، والجيفة، والعذرة.
والسبعية: لا تقنع بذلك؛ بل بقهر النفوس؛ تريد الاستعلاء عليها بالحق والباطل.
وأما الملكية: فقد ارتفعت عن ذلك، وشمرت إلى الرفيق الأعلى؛ فهمتها العلم والإيمان ومحبة الله تعالى والإنابة إليه والطمأنينة به والسكون إليه وإيثار محبته ومرضاته، وإنما تأخذ من الدنيا ما تأخذ لتستعين به على الوصول إلى فاطرها ورِبّها ووليَّها، لا لتنقطع به عنه.
ثم ضرب – سبحانه وتعالى – مثلاً ثانيًا، وهو المثل الناري، فقال: }وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ{ [الرعد: 17].
وهذا كالحديد، والنحاس، والفضة، والذهب، وغيرها؛ فإنها تدخل الكير؛ لتمحص وتخلص من الخبث، فيخرج خبثها، فيرمى به ويُطرح، ويبقى خالصها؛ فهو الذي ينفع الناس.
ولما ضرب الله سبحانه وتعالى هذين المثلين ذكر حكم من استجاب له، ورفع بهداه رأسًا، وحكم من لم يستجب له، ولم يرفع بهداه رأسًا، فقال: }لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ{ [الرعد: 18].
والمقصود أن الله تعالى جعل الحياة حيث النور، والموت حيث الظلمة، فحياة الموجودين الروحي والجسمي بالنور، وهو مادة الحياة؛ كما أنه مادة الإضاءة، فلا حياة بدونه؛ كما لا إضاءة بدونه، وكما أنه به حياة القلب، فيه انفساحه، وانشراحه، وسعته.
ونور العبد هو الذي يصعد عمله وكلمه إلى الله تعالى؛ فإن الله تعالى لا يصعد إليه من الكلم إلا الطيب، وهو نور ومصدر عن النور، ولا من العمل إلا الصالح، ولا من الأرواح إلا الطيبة؛ وهي أرواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي أنزله على رسوله r والملائكة الذين خُلقوا من نور؛ كما في «صحيح مسلم» عن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي r قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الشياطين من نار، وخلق آدم مما وصف لكم»([7]).
فلما كانت مادة الملائكة من نور كانوا هم الذين يعرجون إلى ربهم – تبارك وتعالى – وكذلك أرواح المؤمنين هي التي تعرج إلى ربها وقت قبض الملائكة لها، فيفتح لها باب السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، إلى أن ينتهي بها إلى السماء السابعة، فتوقف بين يدي الله – عز وجل – ثم يأمر أن يكتب كتابه في أهل عليين.
فلما كانت هذه الروح روحًا زاكية طيبة نيرة مشرقة، صعدت إلى الله – عز وجل – مع الملائكة.
وأما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فإنها لا تفتح لها أبواب السماء، ولا تصعد إلى الله – تعالى ؛ بل ترد من السماء الدنيا إلى عالمها، وتحتقرها؛ لأنها أرضية سفلية، والأولى علوية سماوية؛ فرجعت كل روح إلى عنصرها وما هي منه، وهذا مبيَّن في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الإمام أحمد، وأبو عوانة الإسفراييني في «صحيحه»، والحاكم، وغيرهم. وهو حديث صحيح ([8]).
والمقصود أن الله – عز وجل – لا يصعد إليه من الأعمال والأقوال والأرواح إلا ما كان منها نورًا، وأعظم الخلق نورًا أقربهم إليه وأكرمهم عليه.
وفي «المسند» من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي r: «إن الله – تعالى – خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره؛ فمن أصاب من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل؛ فلذلك أقول: جف القلم على علم الله - تعالى»([9]).
وهذا الحديث العظيم أصل من أصول الإيمان، وينفتح به باب عظيم من أبواب سر القدر وحكمته، والله – تعالى – الموفق.
وهذا النور الذي ألقاه عليهم – سبحانه وتعالى – هو الذي أحياهم وهداهم فأصابت الفطرة منه حظها، ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم، وأتمه بالروح الذي ألقاه على رسله – عليهم الصلاة والسلام، والنور الذي أوحاه إليهم، فأدركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم إلقاء النور، فانضاف نور الوحي والنبوة إلى نور الفطرة، نور على نور، فأشرقت منه القلوب، واستنارت به الوجوه، وحيت به الأرواح، وأذعنت به الجوارح للطاعات؛ طوعًا واختيارًا، فازدادت به القلوب حياة إلى حياتها.
ثم دلها ذلك النور على نور آخر هو أعظم منه وأجل، وهو نور الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواه، فشاهدته ببصائر الإيمان مشاهدة نسبتها إلى القلب نسبة المرئيات إلى العين؛ ذلك لاستيلاء اليقين عليها، وانكشاف حقائق الإيمان لها، حتى كأنها تنظر إلى عرش الرحمن – تبارك وتعالى – بارزًا، وإلى استوائه عليه؛ كما أخبر به – سبحانه وتعالى – في كتابه، وكما أخبر به عنه رسوله، يدبر أمر الممالك، ويأمر وينهى، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقضي وينفذ، ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول، فيذهب بدولة، ويأتي بأخرى.
والرسل من الملائكة – عليهم الصلاة والسلام – بين صاعد إليه بالأمر، ونازل من عنده به وأوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الآيات، نافذة بحسب إرادته، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء، من غير زيادة ولا نقصان، ولا تقدم ولا تأخر، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها، في الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو، وفي سائر أجزاء العالم وذراته، يقلبها ويصرفها، ويحدث فيها ما يشاء، وقد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء؛ فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر – فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد، وخطر بقلبه، ولم تتحرك به شفتاه، وأخفى منه ما لم يخطر بعد، فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا – وله الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، شملت قدرته كل شيء، ووسعت رحمته كل شيء، وسعت نعمته إلى كل حي: }يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ{ [الرحمن: 29].
يغفر ذنبًا، ويفرج همًا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانيًا، ويشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويعافي مُبتلىً،


0 التعليقات :

Copyright @ 2013 مؤسسة الاسلام .