الحمد
لله وصلاة الله وسلامه وبركاته على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
تلقت
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة دعوة كريمة من المجلس الأعلى لمسلمي كينيا
بنيروبي للمشاركة في هذه الندوة الدينية المباركة - إن شاء الله -.
فبادرت
الجامعة فلبت الدعوة، ثم طلبت إليّ الاشتراك في الندوة ممثلاً لها ببحث أقدمه
فيها. فلبيت الطلب طبعاً لأنه طلب لا يرد
مثله، لأن في تلبية مثل هذا الطلب مساهمة في ميدان من ميادين الدعوة إلى الله،
والدعوة إلى الله من أهم أهداف الجامعة الإسلامية، ومن أجلها أنشئت. فها أنا ذا أتقدم بهذا البحث المتواضع([1]) تحت عنوان:
نظام الأسرة في الإسلام
والله
أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه خير مسؤول وأكرم معط، فأقول مستعيناً
بالله وحده ..
إن
للدعوة الإسلامية مجالات متعددة وأساليب مختلفة، ومن أساليبها إقامة الندوات
والمؤتمرات التي يلتقي فيها رجال الفكر الإسلامي وفقهاء المسلمين ليعالجوا فيها
مشكلات الوقت، ويردوا الشبهات التي تثار حول الإسلام وعقيدة المسلمين.
ويبينوا
للناس أحكام الدين الإسلامي في جميع مجالات الحياة لمن يحتاجون إلى البيان - وما
أكثر من يحتاجون - ليكون الناس على بينة من أمور دينهم ودنياهم ويكون ذلك على ضوء
الكتاب والسنة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولا سبيل للخروج من ظلمات الجهل
والجاهلية إلا بفقه الكتاب والسنة، وتلك وظيفة رسل الله عليهم الصلاة والسلام من
أولهم نوح عليه السلام إلى خاتمهم وإمامهم محمد عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. فيقول الله تعالى مخاطباً لنبيه الكريم
محمد عليه الصلاة والسلام ومبيناً لوظيفته ووظيفة أتباعه:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ
اللهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾
[الأحزاب:47].
في
هذه الآي الثلاث من سورة الأحزاب بيان لوظيفة الرسول الكريم محمد عليه الصلاة
والسلام، ووظيفة أتباعه. وهي
الدعوة إلى الله بإذنه وأمره وعلى بصيرة وعلم:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف:108]. وتكليف
الله نبيه بهذه الدعوة العامة التي لا تخص قومه دون غيرهم - كما هو شأن دعوة الرسل
من قبله - بل هي للناس كافة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاس﴾ [سبأ:28].
وهذا
التكليف له ولأتباعه يثبت له ثم لأتباعه أن يكونوا شهداء على الناس جميعاً. وهذا يعني أن الرسالة المحمدية هي
المهيمنة على جميع الأديان السابقة، فدينه هو النظام الأخير الذي لا يسع أحدا من
البشر إلا اتباعه ولا تجوز مخالفته. وهو
نظام رباني كامل؛ لأن الله الذي خلق هذا الكائن الممتاز (الإنسان) لا يليق بحكمته
أن يتركه هملا دون أمر أو نهي أو توجيه، بل يسلمه للفوضى ليتخبط خبط عشواء، يحلل
ويحرم كما يهوى أو يشاء أو يعبد ما يريد كلا، بل نظم له حياته وعلاقاته المتنوعة
وأرسل رسله لهذا الغرض ذاته، وأنزل عليهم كتبه، وخاتم رسله محمدٌ عليه الصلاة
والسلام إذ لا نبي بعده، وآخر كتبه القرآن الكريم إذ لا كتاب بعده وبيان ذلك
الكتاب وتفسيره في السنة المطهرة ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل:44]، وبهذا كله نظم الإسلام علاقة العبد
بربه وخالقه بحيث يصبح عبدا له وحده يعبده دون غيره .. يعبده بعبادة منظمة مضبوطة
بضوابط الشرع، تولى القرآن تنظيمها جملة أو تفصيلا، وشرحتها السنة المطهرة وزادتها
بياناً وتوضيحا، على اختلاف درجاتها وشعبها الكثيرة إذ يقول الرسول عليه الصلاة
والسلام: «الإيمان
بضع وستون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق
والحياء شعبة من الإيمان». وهذه الشعب كلها عبادات وطاعات، على تفاوتها.
وجميع العبادات يجب
أن تكون مقيدة بشريعة الله التي تؤخذ رأساً من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة
والسلام، وخاضعة لأحكامه، وسلوك العبد هذا المسلك في جميع عباداته ومعاملاته وجميع
تصرفاته هو الذي نعنيه بالعلاقة بين العبد وربه وهي العبودية الخالصة، وحقيقتها
ألا يفقد الرب عبده حيث أمره ولا يجده حيث نهاه، وإن هفى أحياناً وخالف أمر ربه
بادر بالتوبة والرجوع إلى الصواب، ليمحو أثر مخالفته وعصيانه بالتوبة والإنابة؛
لأن التوبة تجب ما قبلها، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:31].
هكذا نظم الإسلام -
بالإختصار - علاقة العبد بربه وخالقه، فكما
نظم هذه العلاقة على الوجه الذي ذكرنا، كذلك اهتم الإسلام بتنظيم الأسرة.
وقد حث الإسلام على
إنشاء مؤسسة الأسرة بتشريعه الزواج وحثه عليه مبيناً أن الزواج سكونٌ للنفس
للطرفين وهدوء لهما وراحة للجسد، وطمأنينة للروح وامتداد للحياة إلى آخر مطافها.
فلنستمع الآن إلى بعض
الآيات القرآنية في هذه المعاني:
إذ يقول الله تعالى وهو يحث عباده على الزواج: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء:3].
ويقول: ﴿وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
[الروم:21]
وحيث يقول: ﴿هُنَّ
لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾
[البقرة:187]،
ويقول: ﴿نِسَاؤُكُمْ
حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ
وَاتَّقُوا اللهَ﴾ [البقرة:223].
هكذا يتحدث القرآن عن
مؤسسة الأسرة في عديد من الآيات، وبأساليب مختلفة كما رأينا وكما نسمع مرة أخرى
آية سورة النساء التي تبين أن طرفي هذه المؤسسة خلقا من نفس واحدة وكأنهما شطران
لنفس واحدة فلا فضل لأحد الشطرين على الآخر في أصل الخلقة ومن حيث العنصر وإنما
يحصل التفاضل بينهما بأمور خارجية ومقومات أخرى غير ذاتية وصفات مكتسبة إذ يقول
الله تعالى في هذا المعنى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾ [النساء:1]. هكذا يحث الإسلام على إنشاء الأسرة
لتكون امتدادا للحياة وراحة للطرفين.
تابع هنا
تابع هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق