بسم
الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الغفار؛
أمر عبادَه بالاستغفار ومداومة الأذكار لتكفير الذنوب والآثام، والصلاة والسلام
على سيد الأنام خير مَن ذكر ربه وصلى وصام وعلى آله وصحبه الكرام والتابعين لهم
بإحسان إلى يوم الدين آمين .... أما بعد:
فهذه رسالة مفيدة
عظيمة قمت بإخراجها من كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب للإمام العلامة ابن القيم
الجوزية – رحمه الله تعالى ؛ وهي بتحقيق الأستاذ أبو أسامة سليم بن عيد الهلالي
جزاه الله كل خير على ما بذل في تحقيق هذا الكتاب وجعله في موازين حسناته يوم
القيامة، وهي رسالة عظيمة سميتها (فوائد الذكر الطيب من الوابل الصيب)،
وفيها بيان فضل الأذكار من السنة والقرآن، وكان الدافع لتخريجها أمورًا منها
الفائدة لي ولإخواني المسلمين وحَثُّهم على الأذكار؛ لما فيها من محبة الرحمن
واتباع سنة سيد الأنام والحرز من الشيطان، وكذلك من باب: الدال على الخير كفاعله،
ومن النصيحة للعلماء رحمهم الله تعالى؛ بنشر علمهم بين الأمة؛ لأن هذه الرسالة
توجد في كتاب لا يستطيع كل مسلم الحصول عليها، وقد ذكر فيها ابن القيم رحمه الله
تعالى ثماني وسبعين فائدة، أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته يوم القيامة، آمين.
هذا وأرجو من الله
المولى الكريم لي ولإخواني المسلمين الفائدة والعلم النافع والعمل الصالح؛ إنه
جواد كريم.
وصلى الله وسلم على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
الفقير إلى عفو ربه القدير
محمد
بن صالح الحربي
* * *
تمهيد
في فضل الذكر
قال ابن القيم رحمه
الله تعالى: وقوله r: «وآمركم أن تذكروا الله تعالى؛ فإن مَثَلَ ذلك مَثَلُ رجل خرج العدو
في أثره سراعًا، حتى إذا أتى إلى حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز
نفسه من الشيطان إلا بذكر الله»([1]).
فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا بالعبد أن لا
يفتر لسانه من ذكر الله – تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره؛ فإنه لا يحرز نفسه من
عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة؛ فهو يرصده، فإذا غفل وثب
عليه وافترسه، وإذا ذكر الله – تعالى - انخنس عدوُّ الله، وتصاغر، وانقمع؛ حتى
يكون كالوصع ([2])، وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس؛ أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذُكر
الله – تعالى؛ خنس؛ أي: كف وانقبض.
وقال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا
ذكر الله – تعالى؛ خنس.
وفي «مسند الإمام أحمد» عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن زياد بن
أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل قال: قال
رسول الله r: «ما عَمِل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من
ذكر الله – عز وجل»([3]).
وقال معاذ: قال رسول الله r: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مَليككم،
وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم،
فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟».
قالوا: بلى يا رسول الله!
قال: «ذكر الله – عز وجل»([4]).
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال: كان رسول الله r يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: جُمْدان، فقال:
«سيروا، هذا جُمْدانُ، سبقَ المفَرَّدون».
قيل: وما المفَرَّدونَ يا رسول الله؟
قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات»([5]).
وفي «السنن» عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله r: «ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله – تعالى –
فيه؛ إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة»([6]).
وفي رواية الترمذي: «ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلُّوا
على نبيهم إلا كان عليهم تِرَةً؛ فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم»([7]).
وفي «صحيح مسلم» عن الأغرِّ أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد
أنهما شهدا على رسول الله r أنه قال: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا
حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده»([8]).
وفي «الترمذي» عن عبد الله بن بسر أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أبواب
الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بما شئت أتشبَّثُ به، ولا تكثر
عليَّ فأنسى.
وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كَثُرَت عليَّ، وأنا قد كبرت، فأخبرني بشيء
أتشبث به.
قال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله تعالى»([9]).
وفي «صحيح البخاري» عن أبي موسى عن النبي r قال: «مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه
مَثَلُ الحيِّ والميتِ»([10]).
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «يقول الله – تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي،
وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه
في ملإٍ خيرٍ منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ
ذراعًا تقرَّبْت منه باعًا، وإذا أتاني يمشي أتيتُه هَرولة»([11]).
وفي «الترمذي» عن أنس أن رسول الله r قال: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا».
قالوا:
يا رسول الله! وما رياض الجنة؟
قال: «حِلَقُ
الذِّكْرِ»([12]). فأفضل
الذاكرين المجاهدون، وأفضل المجاهدين الذاكرون.
قال الله
– تعالى: }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا
اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [الأنفال: 45]؛ فأمرهم بالذكر الكثير والجهاد معًا؛ ليكونوا على
رجاء من الفلاح.
وقد قال
- تعالى: }يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا{ [الأحزاب: 41].
وقال -
تعالى: }وَالذَّاكِرِينَ
اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ{ [الأحزاب: 35]؛ أي: كثيرًا.
وقال
تعالى: }فَإِذَا
قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ
أَشَدَّ ذِكْرًا{ [البقرة: 200].
ففيه
الأمر بالذكر بالكثرة والشدة؛ لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين؛
فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله – عز وجل - كانت عليه لا له، وكان خسرانه
فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله.
وقال بعض
العارفين: لو أقبل عبد على الله – تعالى – كذا وكذا سنةً، ثم أعرض عنه لحظة؛ لكان
ما فاته أعظم مما حصله.
وذكر
البيهقي عن عائشة عن النبي r أنه قال: «ما من
ساعة تَمُرُّ بابن آدم لا يذكر الله – تعالى – فيها إلا تحسَّر عليها يوم القيامة»([13]).
وذُكِرَ عن معاذٍ بن جبل
يرفعه أيضًا: «ليس تَحَسُّرُ أهل الجنة
0 التعليقات :
إرسال تعليق